المسألة الثانية
في صحة العدم على العالم
قال : والإمكان يعطي جواز العدم.
أقول : اختلف الناس في أن العالم هل يصح عدمه أم لا فذهب المليون أجمع إلى ذلك إلا من شذ ومنع منه القدماء واختلفوا فذهب قوم منهم إلى أن الامتناع ذاتي وجعلوا العالم واجب الوجود ونحن قد بينا خطأهم وبرهنا على حدوثه فيكون ممكنا بالضرورة وذهب آخرون إلى أن الامتناع باعتبار الغير وذلك أن العالم معلول علة واجب الوجود فلا يمكن عدمه إلا بعدم علته ويستحيل عدم واجب الوجود ونحن قد بينا خطأهم في ذلك وبرهنا على أن المؤثر في العالم قادر مختار وذهبت الكرامية والجاحظ إلى استحالة عدم العالم بعد وجوده بعد اعترافهم بالحدوث لأن الأجسام باقية فلا تفنى بذاتها ولا بالفاعل لأن شأنه الإيجاد لا الإعدام إذ لا فرق في العقل بين نفي الفعل وبين فعل العدم ولا ضد للأجسام لأنه بعد وجوده ليس إعدامه للباقي أولى من عدمه به لوقوع التضاد من الطرفين وأولوية الحادث بالتعلق بالسبب مشتركة وبكثرته باطلة لامتناع اجتماع المثلين وباستلزام الجمع بين النقيضين باطلة لانتفائه على تقدير القول بعدم دخول الحادث في الوجود ولا بانتفاء الشرط لعود الكلام عليه وهو خطأ فإن الإعدام يستند إلى الفاعل كما يستند الوجود إليه والامتياز واقع بين نفي الفعل وفعل العدم سلمنا لكن لم لا يجوز أن يعدم بوجود الضد ويكون الضد أولى بإعدامه وإن كان سبب الأولوية مجهولا ، سلمنا لكن لم لا يجوز اشتراط الجواهر بأعراض غير باقية يوجدها الله تعالى حالا فحالا فإذا لم يجدد العرض انتفت الجواهر. ودليل المصنف ـ رحمهالله ـ على مطلوبه من صحة العدم حجة على الجميع وهو أنا بينا أن العالم ممكن الوجود فيستحيل انقلابه إلى الامتناع أو الوجوب فيجوز عدمه كما جاز وجوده.