أقول : الأمر بالمعروف هو القول الدال على الحمل على الطاعة أو نفس الحمل على الطاعة أو إرادة وقوعها من المأمور ، والنهي عن المنكر هو المنع من فعل المعاصي أو القول المقتضي لذلك أو كراهة وقوعها وإنما قلنا ذلك للإجماع على أنهما يجبان باليد واللسان والقلب والأخير يجب مطلقا بخلاف الأولين فإنهما مشروطان بما يأتي. وهل يجبان سمعا أو عقلا اختلف الناس في ذلك فذهب قوم إلى أنهما يجبان سمعا للقرآن والسنة والإجماع وآخرون ذهبوا إلى وجوبهما عقلا واستدل المصنف على إبطال الثاني بأنهما لو وجبا عقلا لزم أحد الأمرين وهو إما خلاف الواقع أو الإخلال بحكمة الله تعالى والتالي بقسميه باطل فالمقدم مثله ، بيان الشرطية أنهما لو وجبا عقلا لوجبا على الله تعالى فإن كل واجب عقلي يجب على كل من حصل في حقه وجه الوجوب ولو وجبا عليه تعالى لكان إما فاعلا لهما فكان يلزم وقوع المعروف قطعا لأنه تعالى يحمل المكلفين عليه وانتفاء المنكر قطعا لأنه تعالى يمنع المكلفين منه وإما غير فاعل لهما فيكون مخلا بالواجب وذلك محال لما ثبت من حكمته تعالى.
قال : وشروطهما علم فاعلهما بالوجه وتجويز التأثير وانتفاء المفسدة.
أقول : شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاثة : الأول أن يعرف الآمر والناهي وجه الفعل فيعرف أن المعروف معروف وأن المنكر منكر وإلا لأمر بالمنكر ونهى عن المعروف. الثاني تجويز التأثير فلو عرف أن أمره ونهيه لا يؤثران لم يجبا الثالث انتفاء المفسدة فلو عرف أو غلب على ظنه حصول مفسدة له أو لبعض إخوانه في أمره ونهيه سقط وجوبهما دفعا للضرر. فهذا ما حصل لنا من شرح هذا الكتاب ونحن نسأل الله تعالى أن يجعله ذخرا لنا يوم المعاد وأن يوفقنا للرشاد بمنه وكرمه والحمد لله وحده.