قال المسبّحي : وفي أيّامه بنى قصر البحر بالقاهرة الّذي لم يكن مثله لا في شرق ولا غرب ، وقصر الذّهب ، وجامع القرافة. وكان أسمر ، أصهب الشعر ، أعين أشهل (١) ، بعيد ما بين المنكبين ، حسن الخلق ، قريبا من الناس ، لا يؤثر سفك الدماء ، وكان مغرى بالصّيد ، ويتصيّد السّباع ، وكان أديبا فاضلا ، فذكر له أبو منصور الثعالبي في «يتيمة الدهر» هذه الأبيات :
نحن بنو المصطفى ذوو محن |
|
تجرّعها في الحياة كاظمنا |
عجيبة في الأنام محنتنا |
|
أوّلنا مبتلى وخاتمنا |
يفرح هذا الورى بعيدهم |
|
طرّا وأعيادنا (٢) مآتمنا |
وكان قد مات له ابن في العيد ، فقال هذا. ثم قال أبو منصور : سمعت الشيخ أبا الطّيّب يحكى أنّ الأمويّ صاحب الأندلس كتب إليه نزار صاحب مصر كتابا يسبّه فيه ويهجوه ، فكتب إليه : «أمّا بعد ، فإنّك قد عرفتنا فهجوتنا ، ولو عرفناك لأجبناك» قال : فاشتدّ ذلك على نزار ، وأفحمه عن الجواب ، يعنى أنّه دعىّ لا يعرف قبيلته ، حتى كان يهجوه.
وقال أبو الفرج بن الجوزي (٣) : كان العزيز قد ولّى عيسى بن نسطورس (٤) النّصرانيّ ، واستناب بالشام منشّأ اليهودىّ ، فكتبت إليه امرأة : بالذي أعزّ اليهود بمنشّا ، والنّصارى بابن نسطورس (٥) ، وأذلّ المسلمين بك ، إلّا نظرت في أمرى ، فقبض على اليهودىّ والنّصرانيّ ، وأخذ من ابن نسطورس ثلاثمائة ألف دينار.
قال ابن خلّكان (٦) ، رحمهالله : وأكثر أهل العلم لا يصحّحون نسب المهدىّ عبيد الله جدّ خلفاء مصر ، حتى أنّ العزيز في أوّل ولايته صعد المنبر يوم الجمعة ، فوجد هناك ورقة فيها :
__________________
(١) أعين : واسع العين.
(٢) أشهل : زرقة تشوب السواد.
(٣) في اليتيمة ١ / ٢٥٤ «أفراحنا».
(٤) المنتظم ٧ / ١٩٠.
(٥) في الأصل «نسطور».
(٦) وفيات الأعيان ٥ / ٣٧٣.