أبى تميم. قدم من المغرب بتجهيز المعزّ إلى ديار مصر في الجيوش والأهبة في سنة ثمان وخمسين ، فاستولى على إقليم مصر ، وابتنى القاهرة ، واستمرّ عالي الأمر نافذ الكلمة.
وكان بعد موت كافور صاحب مصر قد انخرم النظام ، وأقيم في الملك أحمد بن علي بن الإخشيد وهو صغير ، وكان ينوب عنه ابن عمّ والده والحسن بن عبيد الله بن طغج ، والوزير حينئذ جعفر بن الفرات ، فقلّت الأموال على الجند ، فكتب جماعة إلى المعزّ يطلبون منه عسكرا ليسلّموا إليه مصر ، فنفّذ جوهرا في نحو مائة ألف فارس أو أكثر ، فنزل بتروجة (١) بقرب الإسكندرية ، فراسله أهل مصر في طلب الأمان وتقرير أملاكهم لهم ، فأجابهم جوهر ، وكتب لهم العهد ، فعلم الإخشيديّة بذلك ، فتأهّبوا للقتال ، فجاءتهم الكتب والعهود ، فاختلفت كلمتهم. ثم أمّروا عليهم ابن الشويزاني ، وتوجّهوا للقتال نحو الجزيرة ، وحفظوا الجسور ، فوصل جوهر إلى الجيزة ، ووقع بينهم القتال في حادي عشر شعبان ، ثم سار جوهر إلى منية الصّيّادين ، وأخذ مخاضة منية شلقان (٢) ، ووصل إلى جوهر طائفة من العسكر في مراكب ، وحفظ أهل مصر البلد ، فقال جوهر للأمير جعفر بن فلاح : لهذا اليوم خبّأك المعزّ ، فعبر عريانا في سراويل وهو في مركب ، ومعه الرجال خوضا ، فوصلوا إليهم ، ووقع القتال ، فقتل خلق كثير من الإخشيدية ، وانهزم الباقون ، ثم أرسلوا يطلبون الأمان ، فأمّنهم جوهر ، وحضر رسوله ومعه بند أبيض ، وطاف بالأمان ، ومنع من النّهب ، فسكن النّاس ، وفتحت الأسواق ، ودخل من الغد جوهر القائد في طبوله وبنوده ، وعليه ديباج مذهّب ، ونزل موضع القاهرة اليوم ، واختطّها ، وحفر أساس القصر ليلته ، فأرسل إلى مولاه يبشّره بالفتح ، وبعث إليه برءوس القتلى ، وقطع خطبة بني العبّاس ، ولبس السّواد ، وألبس الخطباء البياض ، وأن يقال في الخطبة «اللهمّ صلّ على محمد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى فاطمة البتول ، وعلى الحسن والحسين سبطي
__________________
(١) تروجة : بالفتح ثم الضم وسكون الواو ، وجيم. قرية بمصر من كورة البحيرة من أعمال الإسكندرية. (معجم البلدان ٢ / ٧٢).
(٢) في الأصل «سلقان» بالسين المهملة ، والتصحيح من (اتعاظ الحنفا ١ / ١٠٩).