واضطرّت الأعراب إلى أكل مواشيهم ، ثمّ أولادهم ، حتّى كان الواحد يعاوض بولده ولد غيره لئلّا تدركه رقّة إذا ذبحه (١).
[انقضاض كوكب آخر]
وفي شوّال انقضّ ليلة الإثنين كوكب أضاءت منه الأرض ، وارتاع له العالم ، وكان في شكل التّرس ، ولم يزل يقلّ حتّى اضمحلّ (٢).
[سكر جلال الدولة]
وفي شوّال سكر جلال الدّولة ونزل من داره في سميريّة متنكّرا إلى دار الخلافة ، ومعه ثلاثة ، وصعد إلى بستان ، ورمى بعض معيناته القصب ، ودخل منه ، وجلس تحت شجرة ، واستدعى نبيذا يشربه ، وزمّر الزّامر. فعرف الخليفة ذلك ، فشق عليه وأزعجه. ثمّ خرج إليه القاضي ابن أبي موسى ، والحاجب أبو منصور بن بكران ، فحدّثاه ووقفا بين يديه وقالا : قد سرّ الخليفة بقرب مولانا وانبساطه ، وأمّا النّبيذ والزّمر فلا ينبغي.
فلم يقبل ولا امتنع وقال : قل لأمير المؤمنين : أنا عبدك ، وقد حصل وزيري أبو سعد في دارك ، ووقف أمري بذلك فأريد أن أتسلّمه.
وأخذوا يدارونه حتّى نزل في زبزبه ، وأصعد إلى دار المملكة. واجتمع خلق من النّاس على دجلة.
[تهديد الخليفة بالانتقال]
فلمّا كان من غد استدعى الخليفة المختصّ أبا غانم ، وأبا الوفاء القائد وقال : إنّا قد عرفنا ما جرى أمس ، وإنّه أمر زاد عن الحدّ وتناهى في القبح واحتملناه. وكان الأولى لجلال الدّولة أن يتنزّه عن فعله وينزّهنا عن مثله. في كلام طويل. فإن سلك معنا الطّريقة المثلى ، وإلّا فارقنا هذا البلد ودبّرنا أمرنا.
فقبّلا الأرض ومضيا إلى الملك ، فركب بعد ذلك في زبزبه ، وأشعر الخليفة بحضوره للاعتذار ، فنزل إليه عميد الرّؤساء وخدم ، وقال : تذكّر حضوري للخدمة واعتذاري. فرجع الجواب بقبول العذر.
__________________
(١) المنتظم ٨ / ٦٧ ، (١٥ / ٢٢٧) ، تاريخ الزمان ٨٥.
(٢) المنتظم ٨ / ٦٧ ، (١٥ / ٢٢٧) وفيه : «لم يزل يتقلّب».