وكان في خراسان نوّاب لصاحب ما وراء النّهر من الملوك السّامانيّة ، فحاربهم محمود ونصر عليهم ، واستولى على ممالك خراسان ، وانقطعت الدّولة السّامانيّة في سنة تسع وثمانين. فسيّر إليه القادر بالله أمير المؤمنين خلعة السّلطان (١).
وعظم ملكه ، وفرض على نفسه كلّ عام غزو الهند ، فافتتح منها بلادا واسعة ، وكسر الصّنم المعروف بسومنات ، وكانوا يعتقدون أنّه يحيى ويميت ، ويقصدونه من البلاد ، وافتتن به أمم لا يحصيهم إلّا الله. ولم يبق ملك ولا محتشم إلّا وقد قرّب له قربانا من نفيس ماله ، حتّى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية ، وامتلأت خزائنه من أصناف الأموال والجواهر.
وكان في خدمة هذا الصّنم ألف رجل من البراهمة يخدمونه ، وثلاثمائة رجل يحلقون رءوس الحجّاج إليه ولحاهم عند القدوم ، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنّون ويرقصون عند بابه.
وكان بين الإسلام وبين القلعة الّتي فيها هذا الوثن مسيرة شهر ، في مفازة صعبة ، فسار إليها السّلطان محمود في ثلاثين ألف فارس جريدة (٢). وأنفق عليهم أموالا لا تحصى ، فأتوا القلعة فوجدوها منيعة ، فسهّل الله تعالى بفتحها في ثلاثة أيّام ، ودخلوا هيكل الصّنم ، فإذا حوله من أصناف الأصنام الذّهب والفضّة المرصّعة بالجواهر شيء كثير (٣) ، محيطون بعرشه ، يزعمون أنّها الملائكة.
فأحرقوا الصّنم الأعظم ووجدوا في أذنيه نيّفا وثلاثين حلقة ، فسألهم محمود عن معنى ذلك ، فقالوا : كلّ حلقة عبادة ألف سنة (٤).
ومن مناقب محمود بن سبكتكين ما رواه أبو النّضر عبد الرحمن بن عبد الجبّار الفاميّ قال : لمّا ورد التّاهرتيّ الدّاعي من مصر على السّلطان محمود يدعوه سرّا إلى مذهب الباطنيّة ، وكان يركب البغل الّذي أتى به معه ، وذاك البغل
__________________
(١) وفيات الأعيان ٥ / ١٧٧.
(٢) جريدة : جماعة فرسان تخرج للغزو لا رجّالة فيها.
(٣) قال ابن الجوزي : «وقيمة ذلك تزيد على عشرين ألف ألف دينار» (المنتظم ٨ / ٥٣).
(٤) وفيات الأعيان ٥ / ١٧٩ ، وزاد فيه : «وكانوا يقولون بقدم العالم ، ويزعمون أنّ هذا الصنم يعبد منذ أكثر من ثلاثين ألف سنة ، وكلّما عبدوه ألف ، سنة علّقوا في أذنه حلقة».