سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة
[تجدّد الفتنة بين السّنّة والشيعة]
في صفر تجدّدت الفتنة بين الشّيعة والسّنّة ، وزال الاتّفاق الّذي كان عام أوّل. وشرع أهل الكرخ في بناء باب السّمّاكين ، وأهل القلّايين في عمل ما بقي من بابهم. وفرغ أهل الكرخ من بنيانهم وعملوا أبراجا وكتبوا بالذّهب : محمد وعليّ خير البشر ، فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر (١).
وثارت الفتنة وآلت إلى أخذ ثياب النّاس في الطّرق ، وعقت الأسواق ، ووقفت المعايش. وبعد أيّام اجتمع للسّنّة عدد يفوق الإحصاء ، وعبروا إلى دار الخلافة وملئوا الشّوارع ، واخترقوا الدّهاليز ، وزاد اللّغط ، فقيل لهم : سنبحث عن هذا. فهاج أهل الكرخ ووقع القتال ، وقتل جماعة منهم واحد هاشميّ. ونهب مشهد باب التّبن ونبشت عدّة قبور وأحرقوا ، مثل : العوفيّ ، والنّاشئ ، والجذوعيّ ، وطرحوا النّار في المقابر والتّرب ، وجرى على أهل الكرخ خزي عظيم ، وقتل منهم جماعة ، فصاروا إلى خان الفقهاء الحنفيّين ، فأخذوا ما وجدوا ، وأحرقوا الخان (٢) ، وقتلوا مدرّس الحنفيّة أبا سعد السّرخسيّ (٣) ، وكبسوا دور الفقهاء ، فاستدعي أبو محمد بن النّسويّ وأمر بالعبور فقال : قد جرى ما لم يجر مثله ، فإن عبر معي الوزير عبرت. فقويت يده. وأظهر أهل الكرخ الحزن ،
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٩ / ٥٧٦ ، دول الإسلام ١ / ٢٦٠ ، ٢٦١ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٢ ، شذرات الذهب ٣ / ٢٧٠.
(٢) شذرات الذهب ٣ / ٢٧٠.
(٣) لم يذكره ابن الجوزي في «المنتظم» ضمن الخبر (٥٨ / ١٥٠) (١٥ / ٣٣٠ ، ٣٣١) ، وهو في : الكامل في التاريخ (٩ / ٥٧٧) ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧١ ، وتاريخ ابن الوردي ١ / ٣٥٢ ، والعبر ٣ / ٢٠١ ، ودول الإسلام ١ / ٢٦١ ، ومرآة الجنان ٣ / ٦١ ، وشذرات الذهب ٣ / ٢٧٠.