فأحضر إلى السّلطان فجدع أنفه ، فلمّا تقارب الجمعان أرسل السّلطان يطلب المهادنة ، فقال أرمانوس : لا هدنة إلا بالرّيّ. فانزعج السّلطان فقال له إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاريّ الحنفيّ : إنّك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان. وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح. فالقهم يوم الجمعة في السّاعة الّتي يكون الخطباء على المنابر ، فإنّهم يدعون للمجاهدين (١).
فلمّا كان تلك السّاعة صلّى بهم ، وبكى السّلطان ، فبكى (٢) النّاس لبكائه ، ودعا فأمّنوا (٣) ، فقال لهم : من أراد الانصراف فلينصرف ، فما هاهنا سلطان بأمر ولا ينهى (٤). وألقى القوس والنّشاب ، وأخذ السّيف (٥) ، وعقد ذنب فرسه بيده ، وفعل عسكره مثله ، ولبس البياض وتحنّط وقال : إن قتلت فهذا كفني.
وزحف إلى الرّوم ، وزحفوا إليه ، فلمّا قاربهم ترجّل وعفّر وجهه بالتّراب ، وبكى ، وأكثر الدّعاء ، ثمّ ركب وحمل الجيش معه ، فحصل المسلمون في وسطهم ، فقتلوا في الروم كيف شاءوا ، وأنزل الله نصره ، وانهزمت الرّوم ، وقتل منهم ما لا يحصى ، حتّى امتلأت الأرض بالقتلى ، وأسر ملك الروم ، أسره غلام لكوهرائين فأراد قتله ولم يعرفه ، فقال له خدم (٦) مع الملك : لا تقتله فإنّه الملك.
وكان هذا الغلام قد عرضه كوهرائين على نظام الملك ، فردّه استحقارا له. فأثنى عليه أستاذه ، فقال نظام الملك : عسى يأتينا بملك الروم أسيرا. فكان كذلك.
ولمّا أحضر إلى بين يدي السّلطان ألب أرسلان ضربه ثلاث مقارع بيده
__________________
(١) في (الكامل ١٠ / ٦٦) زيادة : «بالنصر ، والدعاء مقرون بالإجابة».
(٢) في الأصل : «فبكا»
(٣) في الكامل ١٠ / ٦٦ : «ودعا ودعوا معه».
(٤) في الكامل : «يأمر وينهى».
(٥) زاد في الكامل : «والدبوس».
(٦) في الكامل ١٠ / ٦٦ : «خادم».