والحسين النجار متقاربون في المذهب ، وكلهم أثبتوا كونه تعالى مريدا لم يزل لكل ما علم أنه سيحدث من خير وشر وإيمان وكفر ، وطاعة ومعصية ، وعامة المعتزلة يأبون ذلك.
٣ ـ الضّرارية (١)
أصحاب ضرار بن عمرو (٢) ، وحفص الفرد (٣) ، واتفقا في التعطيل ، وعلى أنهما قالا : الباري تعالى عالم قادر ، على معنى أنه ليس بجاهل ولا عاجز ، وأثبتا لله سبحانه ماهية لا يعلمها إلا هو ، وقالا : إن هذه المقالة محكية عن أبي حنيفة (٤) رحمهالله وجماعة من أصحابه. وأرادا بذلك أنه يعلم نفسه شهادة ، لا بدليل ولا خبر. ونحن نعلمه بدليل وخبر. وأثبتا حاسة سادسة للإنسان يرى بها الباري تعالى يوم الثواب في الجنة (٥). وقالا : أفعال العباد مخلوقة للباري تعالى حقيقة ،
__________________
ـ بالإرجاء وإليه نسبتها. أخذ الفقه عن القاضي أبو يوسف وقال برأي الجهمية ، وأوذي في دولة هارون الرشيد. وكان جدّه مولى لزيد بن الخطاب. وقيل : كان أبوه يهوديا. توفي سنة ٢١٨ ه / ٨٣٣ م.
(راجع النجوم الزاهرة ٢ : ٢٨٨ وتاريخ بغداد ٧ : ٥٦).
(١) راجع في شأن هذه الفرقة التبصير ص ٦٢ والتنبيه ص ٤٣ واعتقادات فرق المسلمين ص ٦٩ والفرق بين الفرق ص ٢١٣.
(٢) هو قاضي من كبار المعتزلة. طمع في رياستهم في بلده فلم يدركها. فخالفهم فكفروه وطردوه ، صنّف نحو ثلاثين كتابا بعضها في الردّ عليهم وعلى الخوارج ، وفيها ما هو مقالات خبيثة. شهد عليه الإمام أحمد بن حنبل عند القاضي سعيد بن عبد الرحمن الجمحي فأفتى بضرب عنقه فهرب. وقيل إن يحيى بن خالد البرمكي أخفاه. قال الجشمي : ومن عدّه من المعتزلة فقد أخطأ ، لأنّا نتبرّأ منه فهو من المجبرة. توفي نحو سنة ١٩٠ ه / نحو ٨٠٥ م. (راجع لسان الميزان ٣ : ٣٠٣ وفضل الاعتزال ٣٩١).
(٣) حفص الفرد : قال عنه ابن النديم «من المجبرة ومن أكابرهم ، نظير النجار ، ويكنّى أبا عمرو ، وكان من أهل مصر ، قدم البصرة فسمع بأبي الهذيل واجتمع معه وناظره ، فقطعه أبو الهذيل ، وكان أولا معتزليا ثم قال بخلق الأفعال وكان يكنى أبا يحيى ثم ذكر له عدة كتب. (الفهرست ص ٢٦٩) وقال الذهبي «حفص الفرد : مبتدع. قال النسائي : صاحب كلام لكنه لا يكتب حديثه. وكفّره الشافعي في مناظرته». (راجع ميزان الاعتدال ١ : ٥٦٤ الترجمة رقم ٢١٤٣).
(٤) هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت. الإمام الفقيه الكوفي. توفي سنة ١٥٠ ه.
(٥) قال عبد القاهر في (الفرق بين الفرق ص ٢١٤) : «وانفرد بأشياء منكرة منها قوله بأن الله تعالى يرى في القيامة بحاسة سادسة يرى بها المؤمنون ماهيّة الإله ، وقال : لله تعالى ماهية لا يعرفها غيره. يراها المؤمنون بحاسة سادسة وتبعه على هذا القول حفص الفرد».