والحارث بن أسد المحاسبي ، وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا علم الكلام ، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية ، وبراهين أصولية. وصنف بعضهم ودرس بعض حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما. وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة ، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية ، وصار ذلك مذهبا لأهل السنّة والجماعة ، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية. ولما كانت المشبهة والكرامية (١) من مثبتي الصفات عددناهم فرقتين من جملة الصفاتية.
١ ـ الأشعرية
أصحاب أبي الحسن (٢) علي بن إسماعيل الأشعري ، المنتسب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما. وسمعت من عجيب الاتفاقات أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان يقرر عين ما يقرر الأشعري أبو الحسن في مذهبه. وقد جرت مناظرة بين عمرو بن العاص وبينه ، فقال عمرو : أين أجد أحدا أحاكم إليه ربي؟ فقال أبو موسى : أنا ذلك المتحاكم إليه. فقال عمرو : أو يقدّر عليّ شيئا ثم يعذبني عليه؟ قال : نعم. قال عمرو : ولم؟ قال : لأنه لا يظلمك. فسكت عمرو ، ولم يحر جوابا.
قال الأشعري : الإنسان إذا فكر في خلقته ، من أي شيء ابتدأ ، وكيف دار في أطوار الخلقة طورا بعد طور حتى وصل إلى كمال الخلقة ، وعرف يقينا أنه بذاته لم يكن ليدبر خلقته ، وينقله من درجة إلى درجة ، ويرقيه من نقص إلى كمال ، علم بالضرورة أن له صانعا قادرا ، عالما ، مريدا ، إذ لا يتصور حدوث هذه الأفعال المحكمة من طبع لظهور آثار الاختيار في الفطرة ، وتبين آثار الإحكام والإتقان في
__________________
(١) أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام وسيأتي الكلام على الكرامية في موضعه.
(٢) هو أبو الحسن من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري : مؤسس مذهب الأشاعرة : كان من الأئمة المتكلّمين المجتهدين. قيل : بلغت مصنفاته ثلاثمائة كتاب من أشهرها : مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين. توفي سنة ٣٢٤ ه / ٩٣٦ م. (راجع طبقات الشافعية ٢ : ٢٤٥ والمقريزي ٢ : ٣٥٩).