٣ ـ الكرّاميّة (١)
أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام (٢). وإنما عددناه من الصفاتية لأنه كان ممن يثبت الصفات إلا أنه ينتهي فيها إلى التجسيم والتشبيه. وقد ذكرنا كيفية خروجه وانتسابه إلى أهل السنّة فيما قدمنا ذكره.
وهم طوائف بلغ عددهم إلى اثنتي عشرة فرقة. وأصولها ستة : العابدية ، والتونية ، والزرينية ، والإسحاقية ، والواحدية ، وأقربهم الهيصمية (٣) ، ولكل واحدة منهم رأي إلا أنه لما لم يصدر ذلك عن علماء معتبرين ، بل عن سفهاء اغتام جاهلين لم نفردها مذهبا وأوردنا مذهب صاحب المقالة ، وأشرنا إلى ما يتفرع منه.
نص أبو عبد الله على أن معبوده على العرش استقرارا ، وعلى أنه بجهة فوق ذاتا ، وأطلق عليه اسم الجوهر ، فقال في كتابه المسمى عذاب القبر إنه أحديّ الذات ، أحديّ الجوهر ، وإنه مماس للعرش من الصفحة العليا ، وجوز الانتقال ، والتحول ، والنزول ، ومنهم من قال إنه على بعض أجزاء العرش ، وقال بعضهم : امتلأ العرش به ، وصار المتأخرون منهم إلى أنه تعالى بجهة فوق ، وأنه محاذ للعرش.
ثم اختلفوا فقالت العابدية : إن بينه وبين العرش من البعد والمسافة ما لو قدر مشغولا بالجواهر لاتصلت به ، وقال محمد (٤) بن الهيصم : إن بينه وبين العرش بعدا
__________________
(١) راجع في شأن هذه الفرقة. (التبصير ص ٦٥ والفرق بين الفرق ص ٢١٥).
(٢) توفي سنة ٢٥٥ ه / ٨٦٩ م. تقدمت ترجمته.
(٣) أصحاب محمد بن الهيصم.
(٤) محمد بن الهيصم ، متكلم الكرامية ، وقد ذهب إلى أنه تعالى ذات موجودة منفردة بنفسها عن سائر الموجودات لا تحلّ شيئا حلول الأعراض ولا تمازج شيئا ممازجة الأجسام بل هو مباين للمخلوقين إلّا أنه في جهة فوق بينه وبين العرش بعد لا يتناهى. هكذا يحكي المتكلمون عنه. ولم اره في شيء من تصانيفه وأحالوا ذلك لأن ما لا يتناهى لا يكون محصورا بين حاصرتين وأنا أستبعد عنه هذه الحكاية لأنه كان أذكى من أن يذهب عليه فساد هذا القول. (راجع ابن أبي الحديد أول ص ٢٩١).