لا يتناهى ، وإنه مباين للعالم بينونة أزلية ، ونفى التحيز والمحاذاة ، وأثبت الفوقية والمباينة.
وأطلق أكثرهم لفظ الجسم عليه ، والمقاربون منهم قالوا : نعني بكونه جسما أنه قائم بذاته ، وهذا هو حد الجسم عندهم ، وبنوا على هذا أن من حكم القائمين بأنفسهما أن يكونا متجاورين أو متباينين ، فقضى بعضهم بالتجاور مع العرش. وحكم بعضهم بالتباين ، وربما قالوا : كل موجودين ، فإما أن يكون أحدهما بحيث الآخر كالعرض مع الجوهر ، وإما أن يكون بجهة منه ، والباري تعالى ليس بعرض إذ هو قائم بنفسه ، فيجب أن يكون بجهة من العالم ، ثم أعلى الجهات وأشرفها جهة فوق ، فقلنا هو بجهة فوق بالذات حتى إذا رؤي رؤي من تلك الجهة (١).
ثم لهم اختلافات في النهاية. فمن المجسمة من أثبت النهاية له من ست جهات ، ومنهم من أثبت النهاية له من جهة تحت ، ومنهم من أنكر النهاية له ، فقال : هو عظيم.
ولهم في معنى العظمة خلاف ، فقال بعضهم : معنى عظمته أنه مع وحدته على جميع أجزاء العرش ، والعرش تحته ، وهو فوق كله على الوجه هو فوق جزء منه ، وقال بعضهم : معنى عظمته أنه يلاقي مع وحدته من جهة واحدة أكثر من واحد ، وهو يلاقي جميع أجزاء العرش ، وهو العلي العظيم.
ومن مذهبهم جميعا : جواز قيام كثير من الحوادث بذات الباري تعالى ، ومن أصلهم أن ما يحدث في ذاته فإنما يحدث بقدرته ، وما يحدث مباينا لذاته فإنما يحدث بواسطة الإحداث. ويعنون بالإحداث : الإيجاد والإعدام الواقعين في ذاته
__________________
(١) ذكر ابن كرام في كتابه «عذاب القبر» أن الله تعالى مماس لعرشه ، وأن العرش مكان له وأبدل أصحابه لفظ المماسّة بلفظ الملاقاة منه للعرش ، وقالوا : لا يصحّ وجود جسم بينه وبين العرش إلّا بأن يحيط العرش إلى أسفل ، وهذا معنى المماسة التي امتنعوا من لفظها. (راجع الفرق بين الفرق ص ٢١٦ والتبصير ص ٦٦).