والإقرار بما أنزل الله ، وبما جاء به الرسول في الجملة دون التفصيل. والإيمان لا يزيد ولا ينقص. وزعم أن قائلا لو قال : أعلم أن الله تعالى قد حرم أكل الخنزير ، ولا أدري هل الخنزير الذي حرمه : هذه الشاة أم غيرها؟ كان مؤمنا. ولو قال : أعلم أن الله تعالى فرض الحج إلى الكعبة ، غير أني لا أدري أين الكعبة؟ ولعلها بالهند ؛ كان مؤمنا. ومقصوده أن أمثال هذه الاعتقادات أمور وراء الإيمان ، لا أنه كان شاكا في هذه الأمور ، فإن عاقلا لا يستجيز من عقله أن يشك في أن الكعبة : إلى أي جهة هي؟ وأن الفرق بين الخنزير والشاة ظاهر.
ومن العجيب أن غسان كان يحكي عن أبي حنيفة رحمهالله مثل مذهبه ، ويعده من المرجئة ، ولعله كذب كذلك عليه. لعمري! كان يقال لأبي حنيفة وأصحابه مرجئة السنّة ، وعده كثير من أصحاب المقالات من جملة المرجئة ، ولعل السبب فيه أنه لما كان يقول : الإيمان هو التصديق بالقلب ، وهو لا يزيد ولا ينقص ، ظنوا أنه يؤخر العمل عن الإيمان. والرجل مع تخريجه في العمل كيف يفتي بترك العمل! وله سبب آخر ، وهو أنه كان يخالف القدرية ، والمعتزلة الذين ظهروا في الصدر الأول. والمعتزلة كانوا يلقبون كل من خالفهم في القدر مرجئا ، وكذلك الوعيدية من الخوارج. فلا يبعد أن اللقب إنما لزمه من فريقي المعتزلة والخوارج ، والله أعلم.
٤ ـ الثوبانيّة (١)
أصحاب أبي ثوبان المرجئ ، الذين زعموا أن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى ، وبرسله عليهم الصلاة والسلام ، وبكل ما لا يجوز في العقل أن يفعله ، وما جاز في العقل تركه فليس من الإيمان ، وأخر العمل كله عن الإيمان (٢).
__________________
(١) راجع في شأن هذه الفرقة. (الفرق بين الفرق ص ٢٠٤ والتبصير ص ٦١ ومقالات الإسلاميين ١ : ١٩٩).
(٢) فارقوا اليونسية والغسانية بإيجابهم في العقل شيئا قبل ورود الشرع بوجوبه. (الفرق بين الفرق ص ٢٠٤).