(أ) المختارية : أصحاب المختار (١) بن أبي عبيد الثقفي ، كان خارجيا ، ثم صار زبيريا ، ثم صار شيعيا وكيسانيا. قال بإمامة محمد بن الحنفية بعد أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنهما. وقيل لا ، بل بعد الحسن والحسين رضي الله عنهما ، وكان يدعو الناس إليه ، وكان يظهر أنه من رجاله ودعاته ، ويذكر علوما مزخرفة بترهاته ينوطها به.
ولما وقف محمد بن الحنفية على ذلك تبرأ منه ، وأظهر لأصحابه أنه إنما نمس (٢) على الخلق ذلك ليتمشى أمره ، ويجتمع الناس عليه.
وإنما انتظم له ما انتظم بأمرين : أحدهما انتسابه إلى محمد بن الحنفية علما ودعوة. والثاني : قيامه بثأر الحسين بن عليّ رضي الله عنهما ، واشتغاله ليلا ونهارا بقتال الظلمة الذين اجتمعوا على قتل الحسين.
فمن مذهب المختار : أنه يجوز البداء (٣) على الله تعالى ، والبداء له معاني : البداء في العلم وهو أنه يظهر له خلاف ما علم ، ولا أظن عاقلا يعتقد هذا الاعتقاد.
__________________
(١) هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي : الذي خرج يطلب بثأر الحسين بن علي ، وهو الذي جهّز الجيش لحرب عبيد الله بن زياد بقيادة إبراهيم بن الأشتر النخعي فكانت بينهم موقعة عظيمة قتل فيها ابن مرجانة عبيد الله بن زياد. كان ذلك في عهد عبد الملك بن مروان. وفي سنة ٦٧ ه. سار مصعب بن الزبير منزل حروراء والتقى بالمختار فكانت بينهم معركة قتل فيها المختار سنة ٦٧ ه. (راجع مروج الذهب ٣ : ١٠٤ وأسد الغابة ٤ : ٣٣٦ ولسان الميزان ٦ : ٦).
(٢) نمس : من الناموس. والناموس ما ينمس به الرجل من الاحتيال. والناموس المكر والخداع. والتنميس : التلبيس.
(٣) السبب الذي جوّزت الكيسانية البداء على الله تعالى أن مصعب بن الزبير بعث إليه عسكرا قويا فبعث المختار إلى قتالهم أحمد بن شميط مع ثلاثة آلاف من المقاتلة وقال لهم أوحي إلي أن الظفر يكون لكم فهزم ابن شميط فيمن كان معه ، فعاد إليه فقال : أين الظفر الذي وعدتنا؟ فقال له المختار : هكذا كان قد وعدني ثم بدا فإنه سبحانه وتعالى قد قال : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب. والبداء ظهور الرأي بعد إن لم يكن. والبدائية هم الذين جوّزوا البداء على الله عزوجل بأن يعتقد شيئا ثم يظهر له أن الأمر بخلاف ما اعتقده ، وهذا باطل لأن علم الله من لوازم ذاته المخصوصة ، وما كان كذلك كان دخول التغيّر والتبدل فيه محالا تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. (التبصير ص ٢٠ والتعريفات ص ٢٩ وتفسير الرازي ٥ : ٢١٦).