المنصور (١).
ولم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان صاحبهم ناصر الأطروش (٢) فطلب مكانه ليقتل فاختفى واعتزل الأمر ، وصار إلى بلاد الديلم والجبل ولم يتحلوا بدين الإسلام بعد. فدعا الناس دعوة إلى الإسلام على مذهب زيد بن علي ، فدانوا بذلك ونشئوا عليه وبقيت الزيدية في تلك البلاد ظاهرين.
وكان يخرج واحد بعد واحد من الأئمة ويلي أمرهم. وخالفوا بني أعمامهم من الموسوية في مسائل الأصول. ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول ، وطعنت في الصحابة طعن الإمامية. وهم أصناف ثلاثة : جاروديّة ، وسليمانية ، وبترية ، والصالحية منهم والبترية على مذهب واحد.
(أ) الجارودية (٣) : أصحاب أبي الجارود (٤) زياد بن أبي زياد. زعموا أن
__________________
ـ يا هذا ، إني والله ما أنا منصرف عن هذا الأمر حتى ألقي القبض عليه ، فقال عيسى ليس بيننا وبينه إلّا القتال. وقد قاتل محمد يومئذ قتالا عظيما فقتل بيده سبعين رجلا ثم اشتد القتال فهزمت أصحاب عيسى ثم نشب القتال فطعنه حميد بن قحطبة في صدره فصرعه ثم نزل إليه فأخذ رأسه وأتى به عيسى وهو لا يعرف من كثرة الدماء ، ولما قتل محمد أقام عيسى بالمدينة أياما ثم سار عنها يريد مكة معتمرا ثم استخلف على المدينة كثير بن خضير».
(١) هو عبد الله بن محمد بن علي بن العباس أبو جعفر المنصور : ثاني خلفاء بني العباس ولي الخلافة بعد أخيه السفاح سنة ١٣٦ ه. وتوفي سنة ١٥٨ ه / ٧٧٥ م.
(٢) ناصر الأطروش : هو الحسن بن علي بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين ، كان يلقب بالناصر ، وقد استولى على طبرستان سنة ٣٠١ ه وكان قد دخل الديلم بعد قتل محمد بن زيد. وكان الأطروش زيدي المذهب شاعرا مفلقا ظريفا علّامة إماما في الفقه والدين كثير المجون حسن النادرة. (راجع ابن الأثير ٨ : ٢٨).
(٣) قال السيد المرتضى في تاج العروس (٢ : ٢١٨) : «الجارودية فرقة من الزيدية من الشيعة نسبت إلى أبي الجارود زياد بن أبي زياد. وأبو الجارود هو الذي سماه الإمام الباقر سرخوبا وفسّره بأنه شيطان يسكن البحر». (راجع في شأن هذه الفرقة : الفرق بين الفرق ص ٣٠).
(٤) في تهذيب التهذيب (٣ : ٣٨٦) : «أبو الجارود زياد بن المنذر الهمذاني ، ويقال النهدي والثقفي الأعمى الكوفي ، وهو كذاب ، ليس بثقة. كان رافضيا يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويروي في فضائل أهل البيت رضي الله عنهم أشياء ما لها أصول ، وهو من المعدودين من أهل الكوفة الغالين وقد ذكره البخاري في فصل من مات من الخمسين ومائة إلى الستين».