المقدمة الثالثة
في بيان أوّل شبهة وقعت في الخليقة ،
ومن مصدرها في الأول ، ومن مظهرها في الآخر
اعلم أنّ أول شبهة وقعت في الخليقة : شبهة إبليس لعنه الله. ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص. واختياره الهوى في معارضة الأمر ، واستكباره بالمادة التي خلق منها وهي النار على مادة آدم عليهالسلام وهي الطين.
وانشعبت (١) من هذه الشبهة سبع شبهات ، وسارت في الخليقة ، وسرت في أذهان الناس حتى صارت مذاهب بدعة وضلالة ، وتلك الشبهات مسطورة (٢) في شرح الأناجيل (٣) الأربعة : (٤) : إنجيل لوقا (٥) ، ومارقوس (٦) ، ويوحنا (٧) ، ومتّى (٨) ، ومذكورة في التوراة متفرقة على شكل مناظرات بينه وبين الملائكة بعد الأمر بالسجود ، والامتناع منه.
قال كما نقل عنه : إني سلّمت أنّ الباري تعالى إلهي وإله الخلق ، عالم
__________________
(١) انشعبت : افترقت.
(٢) مسطورة : مكتوبة ومسجّلة.
(٣) الأناجيل : جمع إنجيل. والإنجيل كلمة يونانية معناها البشارة.
(٤) الأناجيل المعتبرة عند النصارى أربعة. غير أنه كانت في العصور القديمة أناجيل أخرى أخذت بها الفرق كإنجيل برنابا وإنجيل مرقيون ، وإنجيل السبعين وغيرها وهي تتخالف مع الأناجيل الأربعة التي لم تعرف قبل أواخر القرن الثاني وكتبت بعد المسيح. (راجع محاضرات في النصرانية ص ٣٦ وتعليق شكيب أرسلان على ابن خلدون ١ : ٥٧).
(٥) تنازع مؤرخو النصرانية في تاريخ تدوين هذا الإنجيل. فقيل إنه ألّف عام ٥٣ أو ٦٣ أو ٨٤. وقيل غير ذلك. وسنترجم «للوقا» عند الحديث على النصرانية.
(٦) مارقوس : مرقس. اسمه يوحنّا ومرقس لقبه. سنترجم له عند الحديث على النصرانية.
(٧) هو محل نزاع عميق بين علماء النصارى. فالكثير منهم يدعي أنه أحد الحواريين وهو يوحنّا بن زيدي الصياد. وبعضهم يدعي أنه يوحنّا آخر لا يمتّ إلى الأول بصلة. سنترجم له عند الحديث على النصرانية.
(٨) يدعى لاوى بن حلفى من قانا الجليل وكان من جباة العشور للدولة الرومانية. سنترجم له عند الحديث على النصارى.