وكم قد ساهلت القوم في الاحتياج ، وقلت : أين المحتاج إليه؟ وأي شيء يقرره لي في الإلهيات؟ وما ذا يرسم لي في المعقولات؟ إذ المعلم لا يعني لعينه ، وإنما يعني ليعلم. وقد سددتم باب العلم ، وفتحتم باب التسليم والتقليد ، وليس يرضى عاقل بأن يعتقد مذهبا على غير بصيرة ، وأن يسلك طريقا من غير بينة.
وإن كانت مبادئ الكلام تحكيمات ، وعواقبها تسليمات (١) (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ* ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٢).
الفصل السابع
أهل الفروع
المختلفون في الأحكام الشرعية ، والمسائل الاجتهادية (٣).
(أ) اعلم أن أصول الاجتهاد وأركانه أربعة : الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والقياس. وربما تعود إلى اثنين.
وإنما تلقوا صحة هذه الأركان وانحصارها من إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، وتلقوا أصل الاجتهاد والقياس وجوازه منهم أيضا ؛ فإن العلم قد حصل بالتواتر أنهم إذا وقعت لهم حادثة شرعية ، من حلال أو حرام ، فزعوا إلى الاجتهاد ، وابتدءوا بكتاب الله
__________________
(١) راجع قواعد عقائد آل محمد ص ٩٧.
(٢) سورة النساء : الآية ٦٥.
(٣) الاجتهاد في اللغة عبارة عن استفراغ الوسع في تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقّة. وأما في اصطلاح الأصوليين فمخصوص باستفراغ الوسع في طلب العلم بشيء من الأحكام الشرعية ، على وجه يحسّ من نفسه بالعجز عن المزيد فيه وللاجتهاد ، أحكامه ، فمنها الواجب العيني ، ومنها الواجب الكفائي. ويجب أن تتوفر في المجتهد شروط فمنها العدالة وهذا شرط لجواز الاعتماد على فتواه ومنها أن يكون ملما عالما عارفا محيطا بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها وطرق إثباتها ووجوه دلالاتها على مدلولاتها واختلاف مراتبها عارفا جهات ترجيحها عند تعارضها متمكنا من استشارة الظن بالنظر فيها وتقديم ما يجب تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره عارفا كيفية استثمار الأحكام منها قادرا على تحريرها وتقريرها ، ومدارك الأحكام وأدلّتها التفصيلية هي الكتاب والسنّة والإجماع والقياس.