ومن أصحاب الظاهر مثل داود الأصفهاني وغيره من لم يجوّز القياس والاجتهاد في الأحكام. وقال : الأصول هي : الكتاب والسنّة والإجماع فقط ، ومنع أن يكون القياس أصلا من الأصول. وقال : إن أول من قاس إبليس ، وظن أن القياس أمر خارج عن مضمون الكتاب والسنّة. ولم يدر أنه طلب حكم الشرع من مناهج الشرع ، ولم تنضبط قط شريعة من الشرائع إلا باقتران الاجتهاد بها ؛ لأن من ضرورة الانتشار في العالم الحكم بأن الاجتهاد معتبر. وقد رأينا الصحابة رضي الله عنهم : كيف اجتهدوا وكم قاسوا خصوصا في مسائل المواريث من توريث الإخوة مع الجد وكيفية توريث الكلالة (١) ؛ وذلك مما لا يخفى على المتدبر لأحوالهم.
٣ ـ أصناف المجتهدين
ثم المجتهدون من أئمة الأمة محصورون في صنفين ، لا يعدوان إلى ثالث.
أصحاب الحديث ، وأصحاب الرأي :
* أصحاب الحديث : وهم أهل الحجاز ، هم أصحاب مالك بن أنس ، وأصحاب محمد (٢) بن إدريس الشافعي ، وأصحاب سفيان الثوري ، وأصحاب أحمد بن حنبل ، وأصحاب داود بن علي بن محمد الأصفهاني ، وإنما سموا أصحاب الحديث لأن عنايتهم بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص ، ولا يرجعون إلى القياس الجليّ والخفيّ ما وجدوا خبرا أو أثرا.
__________________
(١) الكلالة اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة. وقد سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الكلالة فقال : من مات وليس له ولد ولا والد.
وعند ما سئل أبو بكر عن الكلالة قال : أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان.
وقد اجتهد بعض الصحابة فورثوا الأخوة لأم واعتبروهم من الكلالة.
(٢) هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي القرشي أبو عبد الله كان كثير المناقب جمّ المفاخر. نشأ بمكة وقرأ في بغداد وخرج إلى مصر سنة ١٩٨ ه ولم يزل بها إلى أن توفي في رجب سنة ٢٠٤ ه.
(ابن خلكان ص ٥٦٥).