وقد ورد في التوراة أن الله تعالى جاء من طور سيناء (١) ، وظهر بساعير (٢) ، وعلن بفاران (٣). وساعير جبال بيت المقدس التي كانت مظهر عيسى عليهالسلام. وفاران : جبال مكة التي كانت مظهر المصطفى صلىاللهعليهوسلم.
ولما كانت الأسرار الإلهية ، والأنوار الربانية في الوحي والتنزيل والمناجاة ، والتأويل على مراتب ثلاث : مبدأ ، ووسط ، وكمال. والمجيء أشبه بالمبدإ ، والظهور أشبه بالوسط ، والإعلان أشبه بالكمال ، عبرت التوراة عن طلوع صبح الشريعة والتنزيل : بالمجيء من طور سيناء. وعن طلوع الشمس بالظهور على ساعير. وعن البلوغ إلى درجة الكمال بالاستواء والإعلان على فاران ، وفي هذه الكلمات : إثبات نبوة المسيح عليهالسلام ، والمصطفى محمدصلىاللهعليهوسلم.
وقد قال المسيح في الإنجيل : ما جئت لأبطل التوراة ، بل جئت لأكملها. قال صاحب التوراة : النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، والجروح قصاص. وأنا أقول : «إذا لطمك أخوك على خدك الأيمن فضع له خدك الأيسر».
والشريعة الأخيرة وردت بالأمرين جميعا. أما القصاص ففي قوله تعالى : (كُتِبَ) (٤) عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى (٥) وأما العفو ففي قوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(٦).
__________________
(١) سينا : بكسر أوله ويفتح : اسم موضع بالشام يضاف إليه الطور فيقال طور سيناء وهو الجبل الذي كلّم الله تعالى عليه موسى بن عمران عليهالسلام ونودي فيه وهو كثير الشجر. (معجم البلدان ٣ : ٣٠٠).
(٢) ساعير : في التوراة اسم لجبال فلسطين. وفي التوراة : أشرق من ساعير إشارة إلى ظهور عيسى واستعلن من جبال فاران وهي جبال الحجاز يريد النبي صلىاللهعليهوسلم. (معجم البلدان ٣ : ١٧١).
(٣) تقدّم تحديدها قبل قليل وهي كلمة عبرية معربة. من أسماء مكة وقيل : اسم لجبال مكة.
(٤) كتب عليكم القصاص في القتلى. نزلت في حيّين من أحياء العرب اقتتلوا في الجاهلية فكانت بينهم قتلى وحروب ولم يأخذ بعضهم من بعض حتى جاء الإسلام. وقيل نزلت في الأوس والخزرج. (راجع لباب التأويل ١ : ١٢٤ ومجمع البيان ١ : ٢٦٥).
(٥) سورة البقرة : الآية ١٧٨.
(٦) سورة البقرة : الآية ٢٣٧.