لما فقدوا الباب ، باب حطة (١) ؛ ولم يمكنهم التسور على سنن اللصوص ، تحيروا تائهين ، وتاهوا متحرين ، فاختلفوا على إحدى وسبعين فرقة.
ونحن نذكر منها أشهرها وأظهرها عندهم ، ونترك الباقي هملا ، والله الموفق.
١ ـ العنانية
نسبوا إلى رجل يقال له عنان (٢) بن داود ، رأس الجالوت يخالفون سائر اليهود في السبت والأعياد ، وينهون عن أكل الطير والظباء والسمك والجراد ، ويذبحون الحيوان على القفا ، ويصدقون عيسى عليهالسلام في مواعظه وإشاراته. ويقولون إنه لم يخالف التوراة البتة ، بل قررها ، ودعا الناس إليها. وهو من بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة ومن المستجيبين لموسىعليهالسلام ، إلا أنهم لا يقولون بنبوته ورسالته.
ومن هؤلاء من يقول : إن عيسى عليهالسلام لم يدع أنه نبي مرسل ، وليس من بني إسرائيل ، وليس هو صاحب شريعة ناسخة لشريعة موسى عليهالسلام ، بل هو من أولياء الله المخلصين العارفين بأحكام التوراة. وليس الإنجيل كتابا أنزل عليه وحيا من الله تعالى ، بل هو جمع أحواله من مبدئه إلى كماله. وإنما جمعه أربعة من أصحابه الحواريين فكيف يكون كتابا منزلا؟.
__________________
(١) باب حطة : هو من أبواب بيت المقدس ، وقيل من أبواب أريحا ـ قرية قرب بيت المقدس ـ وقال مجاهد : باب حطة هو الباب الثامن من بيت المقدس. وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى وبنو إسرائيل. وقد أشار إليه الله تعالى في قوله : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ). (راجع مجمع البيان ١ : ١١٨ والقرطبي ١ : ٣٥٠).
(٢) في المقريزي ٤ : ٣٦٩ واعتقادات ص ٨٢ : «العانانية ينسبون إلى عانان رأس الجالوت الذي قدم من المشرق في أيام الخليفة أبي جعفر المنصور ومعه نسخ المشتا الذي كتب من الخط الذي كتب من خط النبي موسى. وأنه رأى ما عليه اليهود من الربانيين والقرائين يخالف ما معه فتجرد لخلافهم وطعن عليهم في دينهم وازدرى بهم وكان عظيما عندهم. يرون أنه من ولد داود عليهالسلام وعلى طريقة فاضلة من النسك على مقتضى ملّتهم ... وفي اعتقادات الرازي أنهم العنانية أتباع عنان بن داود ولا يذكرون عيسى بسوء بل يقولون إنه كان من أولياء الله تعالى وإن لم يكن نبيا وكان قد جاء لتقرير شرع موسى عليهالسلام والإنجيل ليس بكتاب له بل الإنجيل كتاب جمعه بعض تلاميذه».