إلى كمال المعاد إلا بإقامة هذين الركنين ، أعني الطهارة ، والشهادة والعمل كل العمل لا يعدو هذين النوعين ، وذلك قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى* بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١).
ثم قال عز من قائل : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (٢) فبين أن الذي اشتملت عليه الصحف هو الذي اشتملت عليه هذه السورة. وبالحقيقة هذا هو الإعجاز الحقيقي.
المجوس (٣) وأصحاب الاثنين ، والمانوية ، وسائر فرقهم
المجوسية : يقال لها الدين الأكبر ، والملة العظمى ، إذ كانت دعوة الأنبياء عليهمالسلام بعد إبراهيم الخليل عليهالسلام لم تكن في العموم كالدعوة الخليلية ، ولم يثبت لها من القوة والشوكة ، والملك ، والسيف ، مثل الملة الحنيفية ، إذ كانت ملوك العجم كلها على ملة إبراهيم عليهالسلام ، وجميع من كان في زمان كل واحد منهم من الرعايا في البلاد على أديان ملوكهم ، وكان لملوكهم مرجع هو : «موبذ موبذان» (٤) يعني أعلم العلماء ، وأقدم الحكماء ، يصدرون عن أمره ولا يخالفونه ، ولا يرجعون إلا إلى رأيه ، ويعظمونه تعظيم السلاطين لخلفاء الوقت.
وكانت دعوة بني إسرائيل أكثرها في بلاد الشام وما وراءها من المغرب. وقل ما سرى ذلك إلى بلاد العجم.
وكانت الفرق في زمان إبراهيم الخليل عليهالسلام راجعة إلى صنفين اثنين.
__________________
(١) و (٢) سورة الأعلى : الآيات ١٤ ـ ١٩.
(٣) هم عبدة النيران القائلون إن للعالم أصلين : نور وظلمة. قال قتادة : الأديان خمسة أربعة للشيطان وواحد للرحمن. وقيل : المجوس في الأصل النجوس لتدينهم باستعمال النجاسات. والمجوس أقدم الطوائف وأصلهم من بلاد فارس وقد نبغوا في علم النجوم. (القرطبي ١٢ : ٢٣ وابن خلدون ١ : ٢١٥).
(٤) الموبذان : فقيه الفرس وحاكم المجوس كقاضي القضاة بالنسبة للمسلمين والموبذ القاضي.