أحدهما : الصابئة (١) ، والثاني : الحنفاء (٢).
* فالصابئة : كانت تقول ، إنا نحتاج في معرفة الله تعالى ، ومعرفة طاعته وأوامره وأحكامه إلى متوسط ، لكن ذلك المتوسط يجب أن يكون روحانيا لا جسمانيا ، وذلك لزكاء الروحانيات وطهارتها ، وقربها من رب الأرباب. والجسماني بشر مثلنا : يأكل مما نأكل ، ويشرب مما نشرب ، يماثلنا في المادة والصورة. قالوا : (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) (٣).
* والحنفاء : كانت تقول : إنا نحتاج في المعرفة والطاعة إلى متوسط من جنس البشر تكون درجته في الطهارة والعصمة والتأييد والحكمة فوق الروحانيات ، يماثلنا من حيث البشرية ، ويمايزنا من حيث الروحانية ، فيتلقى الوحي بطرف الروحانية ، ويلقي إلى نوع الإنسان بطرف البشرية ، وذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (٤) وقال عز ذكره : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) (٥).
* * *
ثم لما لم يتطرق للصابئة الاقتصار على الروحانيات البحتة ، والتقرب إليها بأعيانها ، والتلقي عنها بذواتها ، فزعت جماعة إلى هياكلها وهي السيارات السبع (٦) ،
__________________
(١) الصابئون : جمع صابئ وهو من انتقل إلى دين آخر. وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره سمي في اللغة صابئا. كانوا يعبدون النجوم. (راجع مجمع البيان ١ : ١٢٦ والقرطبي ١ : ٣٨٠ وابن خلدون ١ : ١١٦).
(٢) الحنفاء : جمع حنيف. والحنيف المسلم. قال أبو عبيدة : في قوله عزوجل : قل ملة إبراهيم حنيفا. قال : من كان على دين إبراهيم فهو حنيف عند العرب. وكان عبدة الأوثان في الجاهلية يقولون نحن حنفاء على دين إبراهيم. فلما جاء الإسلام سموا المسلم حنيفا فمن مال إلى دين الحق واعتزل الأصنام وعبد الله عزوجل فهو الحنيف. (قاموس ابن خلدون ص ٥١).
(٣) سورة المؤمنون : الآية ٣٤.
(٤) سورة الكهف : الآية ١١٠.
(٥) سورة الإسراء : الآية ٩٣.
(٦) السيارات هي الكواكب التي تدور حول الشمس أو حول نفسها كالشمس. وكان عبادها يعبدون ـ