الفصل الثاني
الثنوية
هؤلاء هم أصحاب الاثنين الأزليين : يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس ، فإنهم قالوا بحدوث الظلام ، وذكروا سبب حدوثه.
وهؤلاء قالوا بتساويهما في القدم ، واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيز ، والمكان والأجناس والأبدان والأرواح.
١ ـ المانوية
أصحاب ماني (١) بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمان سابور (٢) بن أردشير ، وقتله بهرام (٣) بن هرمز بن سابور ، وذلك بعد عيسى ابن مريم عليهالسلام. أحدث دينا بين المجوسية والنصرانية ، وكان يقول بنبوة المسيح عليهالسلام ولا يقول بنبوة موسى عليهالسلام.
حكى محمد (٤) بن هارون المعروف بأبي عيسى الوراق ، وكان في الأصل مجوسيا عارفا بمذاهب القوم : أن الحكيم ماني زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين. أحدهما نور ، والآخر ظلمة ، وأنهما أزليان لم يزالا ، ولن يزالا ، وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم ، وزعم أنهما لم يزالا قويين حساسين ، دراكين سميعين بصيرين ، وهما مع ذلك في النفس ، والصورة ، والفعل ، والتدبير ، متضادان ، وفي الحيز متحاذيان تحاذي الشخص والظل.
وإنما تتبين جواهرهما وأفعالهما في هذا الجدول :
__________________
(١) ماني بن فتق بابك ، الثنوي الزنديق صاحب القول بالنور والظلمة ظهر أيام سابور بن أردشير ملك الفرس ، فاتبعه قليلا ثم رجع إلى المجوسية دين آبائه. (راجع ترجمته عند ابن خلدون ١ : ٢٥٦ وفهرست ابن النديم ص ٤٥٦).
(٢) ملك بعد أبيه وأفاض العطاء. هلك لثلاثين من ملكه. (ابن خلدون ١ : ٢٥٣).
(٣) بهرام بن هرمز : ولي بعد أبيه. كان حليما حسن السيرة واقتدى بآبائه. هلك بهرام لثلاث سنين وثلاثة أشهر من دولته. (ابن خلدون ١ : ٢٥٦).
(٤) محمد بن هارون الوراق أبو عيسى : له تصانيف على مذهب المعتزلة مات سنة ٢٤٧ ه. قال ابن النديم في الفهرست : كان من نظاري المعتزلة ثم خلط وعنه أخذ ابن الراوندي. (لسان الميزان ٥ : ٤١٢).