الصحابة رضي الله عنهم ، فهي اختلافات اجتهادية كما قيل ، كان غرضهم منها إقامة مراسم الشرع ، وإدامة مناهج الدين.
* فأول تنازع وقع في مرضه عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (١) بإسناده عن عبد الله (٢) بن عبّاس رضي الله عنه ، قال : «لمّا اشتدّ بالنّبيّ صلىاللهعليهوسلم مرضه الّذي مات فيه قال : ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعدي» ، فقال عمر رضي الله عنه : «إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله» وكثر اللغط ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «قوموا عنّي لا ينبغي عندي التّنازع» ، قال ابن عبّاس : «الرّزيّة كلّ الرّزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم».
* * *
* الخلاف الثاني : في مرضه أنه قال : «جهّزوا جيش أسامة (٣) ، لعن الله من تخلّف عنه» ، فقال قوم : يجب علينا امتثال أمره ، وأسامة قد برز من المدينة. وقال قوم : قد اشتدّ مرض النبي عليه الصلاة والسلام فلا تسع قلوبنا مفارقته ، والحالة هذه ، فنصبر حتى نبصر أي شيء يكون من أمره.
وإنما أوردت هذين التنازعين ، لأن المخالفين ربما عدوا ذلك من الخلافات المؤثرة في أمر الدين ، وليس كذلك ، وإنما كان الغرض كله : إقامة مراسم
__________________
(١) توفي سنة ٢٥٦ ه / ٨٧٠ م.
(٢) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي. حبر الأمّة الصحابي الجليل. لازم رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وروى عنه الأحاديث الصحيحة. له في الصحيحين وغيرهما ١٦٦٠ حديثا ، توفي سنة ٦٨ ه / ٦٨٧ م. (راجع الإصابة ت ٤٧٧٢ وصفوة الصفوة ١ : ٣١٤ والأعلام ج ٤ ص ٩٥).
(٣) هو أسامة بن زيد بن حارثة. صحابي جليل. كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحبّه كثيرا وينظر إليه نظره إلى سبطية الحسن والحسين. أمّره رسول الله قبل أن يبلغ العشرين من عمره فكان مظفّرا موفقا. وفي تاريخ ابن عساكر أن رسول الله استعمل أسامة على جيش فيه أبو بكر وعمر. توفي سنة ٥٤ ه / ٦٧٤ م. (راجع طبقات ابن سعد ٤ : ٤٢ وتهذيب ابن عساكر ٢ : ٣٩١ والأعلام ١ : ٢٩١).