ومن قالوا إن الإمامة تثبت بالنص ، اختلفوا بعد عليّ رضي الله عنه ، فمنهم من قال إنه نص على ابنه محمد (١) بن الحنفيّة ، وهؤلاء هم الكيسانية (٢) ، ثم اختلفوا بعده ، فمنهم من قال إنه لم يمت ، ويرجع فيملأ الأرض عدلا ، ومنهم من قال إنه مات ، وانتقلت الإمامة بعده إلى ابنه أبي هاشم (٣) ، وافترق هؤلاء ، فمنهم من قال الإمامة بقيت في عقبه وصية بعد وصية ، ومنهم من قال إنها انتقلت إلى غيره ، واختلفوا في ذلك الغير ، فمنهم من قال هو بيان (٤) بن سمعان النهدي ، ومنهم من قال هو عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، ومنهم من قال هو عبد الله (٥) بن حرب الكندي ، ومنهم من قال هو عبد الله (٦) بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن
__________________
(١) هو محمد بن علي بن أبي طالب. وهو أخو الحسن والحسين ، غير أن أمهما فاطمة الزهراء ، وأمّه خولة بنت جعفر. كان واسع العلم ، ورعا. أخبار قوته وشجاعته كثيرة. مولده ووفاته في المدينة. وقيل : خرج إلى الطائف هاربا من ابن الزبير فمات هناك. توفي سنة ٨١ ه / ٧٠٠ م. (راجع طبقات ابن سعد ٥ : ٦٦ ووفيات الأعيان ١ : ٤٤٩ والأعلام ٦ : ٢٧٠).
(٢) أصحاب كيسان مولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وفي زعم البعض أن «المختار» كان يقال له كيسان. وسيأتي الكلام على الكيسانية في موضعه من هذا الكتاب.
(٣) هو أبو هاشم : عبد الله بن علي بن أبي طالب ، وأبوه محمد بن الحنفية. قال الزبير : كان أبو هاشم صاحب الشيعة فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وصرف الشيعة إليه ودفع إليه كتبه ، ومات عنده ، ومات في أيام سليمان بن عبد الملك سنة ٩٨ ، وقيل : في سنة ٩٩. (راجع التهذيب ٦ : ١٦ ومشاهير علماء الأمصار رقم ٩٩٤ والعبر ١ : ١١٦).
(٤) في الأصل بنان ، تصحيف وهو بيان بن سمعان التميمي النهدي اليمني. ظهر بالعراق في أوائل القرن الثاني من الهجرة ، وادّعى أول الأمر أن جزءا إلهيا حلّ في علي ، ثم في محمد ابن الحنفية ، ثم في ابنه أبي هاشم ثم في بيان نفسه. ثم ادعى النبوّة فأخذه خالد القسري فقتله وصلبه. (راجع مقالات الإسلاميين ١ : ٦٦ والتبصير ٧٢ وكامل ابن الأثير ٥ : ٨٢).
(٥) هو عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي. كان أول أمره على دين البيانية أتباع بيان ثم زعم أن روح الله انتقلت من أبي هاشم إلى عبد الله بن حرب. (راجع مقالات الإسلاميين ١ : ٦٨ والتبصير ٧٣).
(٦) هو من شجعان الطالبيين وأجوادهم وشعرائهم. طلب الخلافة في أواخر دولة بني أمية (سنة ١٢٧ ه) بالكوفة وبايع له بعض أهلها واستفحل أمره فسيّر أمير العراق (ابن هبيرة) الجيوش لقتاله فصبر لها ثم انهزم إلى شيراز ومنها إلى هراة فقبض عليه عاملها وقتله حنقا بأمر أبي مسلم الخراساني توفي سنة ١٢٩ ه / ٧٤٦ م. وله البيت المشهور :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة |
|
ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا |
(راجع ابن الأثير حوادث سنتي ١٢٧ و ١٢٩ والأعلام ٤ : ١٣٩).