بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
لعلّ كتاب «الملل والنحل» للشهرستاني من أهمّ الكتب انتشارا في مجاله ، ويكاد يطغى اسمه على ما عداه من الكتابات التي تتعرّض لموضوع الأديان والفرق والمذاهب ، وغير ذلك ممّا كان نتيجة للصراعات السياسية ، لا سيّما مشكلة الحكم التي ظهرت بعد وفاة النبيصلىاللهعليهوسلم بصورة مباشرة ، حيث أدّى الخلاف بشأنها إلى تمزّق وحدة المسلمين ، وانقسامهم إلى اتجاهات مختلفة ، اتخذت طابعا سياسيا في بادئ الأمر ، قبل أن تتّسع دائرة الخلاف الديني والإيديولوجي بينها ، ممّا أسهم في ظهور العديد من الفرق الإسلامية التي تشعّبت بدورها إلى عدة فرق متباينة في مفاهيمها وطروحاتها الدينية والسياسية والاجتماعية.
ومن هذا المنطلق ، فإن مسألة الحكم شكّلت أحد أهمّ العوامل التي أدّت إلى انقسام المسلمين إلى فرق وشيع ومذاهب ، أو ما عبّر عنه الشهرستاني بالملل والنحل ، حيث رياح التمزّق أخذت تعصف بالجماعة منذ انشقاقها الذي كانت بوادره في السقيفة ، وأخذ اتجاها خطيرا في «الفتنة» التي طوّحت بالخليفة عثمان ، قبل أن يتجسّد في الصراع الخطير الذي جرى بين علي ومعاوية وانتهى إلى تكريس هذا الواقع الانقسامي بدوائره المختلفة التي تبلورت بعد إعلان التحكيم بصورة خاصة. وكانت تلك هي المؤثرات الداخلية لهذه المسألة التي ارتبطت بالصراع على الحكم منذ وقت مبكّر من تاريخ الدولة الإسلامية.
على أن هذه المسألة لم تكن معزولة عن المؤثرات الأخرى ، التي أسهمت