والمستبد برأيه محدث مبتدع. وفي الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام : «ما شقي امرؤ عن مشورة ، ولا سعد باستبداد برأي» وربّما يكون المستفيد من غيره مقلدا قد وجد مذهبا اتفاقيا بأن كان أبواه أو معلمه على اعتقاد باطل فيتقلد منه دون أن يتفكر في حقه وباطله ، وصواب القول فيه وخطئه ، فحينئذ لا يكون مستفيدا ، لأن ما حصل على فائدة وعلم ، ولا اتبع الأستاذ على بصيرة ويقين (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١) شرط عظيم فليعتبر.
وربما يكون المستبد برأيه مستنبطا مما استفاده على شرط أن يعلم موضع الاستنباط وكيفيته ، فحينئذ لا يكون مستبدا حقيقة ، لأنه حصل العلم بقوّة تلك الفائدة (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (٢) ركن عظيم ، فلا تغفل.
فالمستبدون بالرأي مطلقا هم المنكرون للنبوات مثل الفلاسفة ، والصابئة ، والبراهمة وهم لا يقولون بشرائع وأحكام أمرية ، بل يضعون حدودا عقلية حتى يمكنهم التعايش عليها.
والمستفيدون هم القائلون بالنبوات.
ومن كان قال بالأحكام الشرعية فقد قال بالحدود العقلية ، ولا ينعكس.
تمهيد
أرباب الديانات والملل
من المسلمين ، وأهل الكتاب ، وممن له شبهة كتاب
نتكلم هاهنا في معنى الدين ، والملّة ، والشريعة ، والمنهاج والإسلام ، والحنيفيّة ، والسنّة ، والجماعة. فإنها عبارات وردت في التنزيل ، ولكل واحدة منها معنى يخصها وحقيقة توافقها لغة واصطلاحا. وقد بينا معنى الدين أنه الطاعة والانقياد. وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٣) ، وقد يرد بمعنى
__________________
(١) سورة الزخرف : الآية ٨٦ ، وتمامها : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
(٢) سورة النساء : الآية ٨٣.
(٣) سورة آل عمران : الآية ١٩.