وقال أهل العدل : المعارف كلها معقولة بالعقل ، واجبة بنظر العقل ، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع ، والحسن والقبح صفتان ذاتيّتان للحسن والقبيح.
فهذه القواعد هي المسائل التي تكلّم فيها أهل الأصول وسنذكر مذهب كل طائفة مفصلا إن شاء الله تعالى. ولكل علم موضوع ومسائل نذكرهما بأقصى الإمكان إن شاء الله تعالى.
٣ ـ المعتزلة وغيرهم من الجبرية ، والصفاتية ، والمختلطة منهم.
الفريقان من المعتزلة والصفاتية متقابلان تقابل التضادّ ، وكذلك القدرية والجبريّة ، والمرجئة والوعيدية ، والشيعة والخوارج. وهذا التضادّ بين كل فريق وفريق كان حاصلا في كل زمان ، ولكل فرقة مقالة على حيالها ، وكتب صنفوها ، ودولة عاونتهم ، وصولة طاوعتهم.
الفصل الأوّل
المعتزلة
ويسمون أصحاب العدل والتوحيد ، ويلقّبون بالقدرية (١) ، والعدلية (٢). وهم قد جعلوا لفظ القدرية مشتركا ، وقالوا : لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشره من الله تعالى ، احترازا من وصمة اللقب ، إذ كان الذم به متفقا عليه لقول النبي عليه الصلاة والسلام : «القدريّة مجوس هذه الأمّة» ، وكانت الصفاتية تعارضهم بالاتفاق ، على أن الجبرية والقدرية متقابلتان تقابل التضادّ ؛ فكيف يطلق لفظ الضدّ على الضدّ؟ وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : «القدريّة خصماء الله في القدر» والخصومة في القدر ، وانقسام الخير والشر على فعل الله وفعل العبد لن يتصوّر على مذهب من يقول بالتسليم والتوكل ، وإحالة الأحوال كلها على القدر المحتوم ، والحكم المحكوم والذي يعمّ طائفة المعتزلة من الاعتقاد.
__________________
(١) لقولهم بقول جهم في إنكار القدر.
(٢) لقولهم بعدل الله وحكمته. ويسمون (الموحدة) لقولهم : (لا قديم مع الله) ، ويسمون أيضا (الجهمية) لقولهم برأيه في الصفات ، والمعتزلة هم أصحاب واصل بن عطاء.