٢ ـ الهذيليّة
أصحاب أبي الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف ، شيخ المعتزلة ، ومقدم الطائفة ، ومقرر الطريقة ، والمناظر عليها. أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل ، عن واصل بن عطاء. ويقال أخذ واصل عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية. ويقال أخذه عن أبي الحسن بن أبي الحسن البصري. وإنما انفرد عن أصحابه بعشر قواعد :
الأولى : أن الباري تعالى عالم بعلم ، وعلمه ذاته (١). قادر بقدرة ، وقدرته ذاته. حيّ بحياة ، وحياته ذاته. وإنما اقتبس هذا الرأي من الفلاسفة الذين اعتقدوا أن ذاته واحدة لا كثرة فيها بوجه ، وإنما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته ، بل هي ذاته ، وترجع إلى السلوب (٢) أو اللوازم (٣) كما سيأتي.
والفرق بين قول القائل : عالم بذاته لا بعلم ، وبين قول القائل : عالم بعلم هو ذاته أن الأول نفى الصفة ، والثاني إثبات ذات هو بعينه صفة. أو إثبات صفة هي بعينها ذات. وإذا أثبت أبو الهذيل هذه الصفات وجوها للذات ، فهي بعينها أقانيم النصارى ، أو أحوال (٤) أبي هاشم.
__________________
ـ بين واصل وعمرو وهو أن الأول كان مشهورا بالجدل العقلي والقدرة على الكلام ، أما عمرو فيظهر أن شهرته برواية الحديث رغم طعن المحدثين في أمانته ـ كانت أكثر من شهرته بالعلوم العقلية والجدل فيها. ولكن مع هذا فإن واصل كان يتمسك بالنصوص أكثر من عمرو الذي كان يحب التحرر منها ولا يتورّع عن أن يخطّئ صحابيا أو ينقد آخر ويردّ روايته. قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٢ : ١٧٦ : «إن معاذ بن معاذ قال : قلت لعمرو بن عبيد : كيف حديث الحسن إن عثمان ورث امرأة عبد الرحمن بعد انقضاء العدّة؟ فقال : إن عثمان لم يكن صاحب سنّة». كان عمرو واعظا مؤثرا أكثر من زميله واصل. فبقدر ما كان الثاني جدلا كان الأول واعظا. ويظهر أنه كانت له شهرة في البصرة أكثر من زميله واصل».
(١) راجع «مقالات الإسلاميين» لأبي الحسن الأشعري ٢ : ٤٨٢.
(٢) السلوب جمل سلب وهو انتزاع النسبة. (راجع دستور العلماء ٢ : ١٧٨).
(٣) اللازم : ما يمتنع انفكاكه عن الشيء وهو نوعان : لازم الماهية ولازم الوجود.
(٤) راجع «الفرق بين الفرق» فقد جاء فيه ص ١١٧ : (... فأثبت الحال في ثلاثة مواضع :
أحدها : الموصوف الذي يكون موصوفا لنفسه ، فاستحقّ ذلك الوصف لحال كان عليها.