إحداثه فهي خلقه له ، وهي قبل الخلق لأن ما به يكون الشيء لا يجوز أن يكون معه. وإن أراد بها فعل عباده فهي الأمر به.
الخامسة : قال : إن عند الله تعالى لطفا (١) لو أتى به لآمن جميع من في الأرض إيمانا يستحقون عليه الثواب ، استحقاقهم لو آمنوا من غير وجوده وأكثر منه. وليس على الله تعالى أن يفعل ذلك بعباده ولا يجب عليه رعاية الأصلح لأنه لا غاية لما يقدر عليه من الصلاح ، فما من أصلح إلا وفوقه أصلح ، وإنما عليه أن يمكن العبد بالقدرة والاستطاعة ويزيح العلل بالدعوة والرسالة ؛ والمفكر قبل ورود السمع يعلم الباري تعالى بالنظر والاستدلال ، وإذا كان مختارا في فعله فيستغنى عن الخاطرين لأن الخاطرين لا يكونان من قبل الله تعالى ، وإنما هما من قبل الشيطان ، والمفكر الأول لم يتقدمه شيطان يخطر الشك بباله ، ولو تقدم فالكلام في الشيطان كالكلام فيه.
السادسة : قال : من تاب عن كبيرة ثم راجعها عاد استحقاقه العقوبة الأولى ، فإنه قبل توبته بشرط أن لا يعود (٢).
٦ ـ المعمّرية (٣)
أصحاب معمّر (٤) بن عباد السلمي ، وهو من أعظم القدرية فرية في تدقيق
__________________
(١) «قال بشر : إن ما يقدر الله عليه من اللطف لا غاية له ولا نهاية. وعند الله من اللطف ما هو أصلح ممّا فعل ولم يفعله. ولو فعله بالخلق آمنوا طوعا لا كرها. وقد فعل بهم لطفا يقدرون به على ما كلفهم. وقد خالفه المعتزلة كلهم كما ذكر الأشعري. (راجع مقالات الإسلاميين ١ : ٥٧٤).
(٢) هذا منه قول بخلاف إجماع المسلمين لأن المعتزلة وإن قالوا بمنزلة بين المنزلتين وإن الفاسق يخلد في النار فإنهم لا يقولون أنه يعاقب في النار على ما تاب منه من الذنوب والأفعال. (راجع التبصير ص ٤٦).
(٣) انظر في شأن هذه الفرقة : «التبصير» ص ٤٥ «والفرق بين الفرق» ص ١٥١.
(٤) هو أبو عمرو : معمر بن عباد السلمي. قال ابن المرتضى : كان عالما عدلا وتفرد بمذاهب ، وكان بشر بن المعتمر وهشام بن عمرو وأبو الحسن المدائني من تلامذته ، ثم حكى أن الرشيد وجه به إلى ملك السند ليناظره ، وأن ملك السند دسّ له من سمّه في الطريق فمات ، توفي سنة ٢١٥ ه / ٨٣٠ م. (راجع خطط المقريزي ٢ : ٣٤٧ ولسان الميزان ٦ : ٧١).