ويحكى عنه أيضا أنه قال : الخلق غير المخلوق ، والإحداث غير المحدث.
وحكى جعفر بن حرب عنه أنه قال : إن الله تعالى محال أن يعلم نفسه ؛ لأنه يؤدي إلى ألا يكون العالم والمعلوم واحدا ، ومحال أن يعلم غيره ، كما يقال محال أن يقدر على الموجود من حيث هو موجود ، ولعل هذا النقل فيه خلل ؛ فإن عاقلا ما لا يتكلم بمثل هذا الكلام الغير (١) معقول.
لعمري لما كان الرجل يميل إلى الفلاسفة ، ومن مذهبهم : أنه ليس علم الباري تعالى علما انفعاليا ، أي تابعا للمعلوم ، بل علمه علم فعلي ؛ فهو من حيث هو فاعل عالم ، وعلمه هو الذي أوجب الفعل ، وإنما يتعلق بالموجود حال حدوثه لا محالة ، ولا يجوز تعلقه بالمعدوم على استمرار عدمه ، وأنه علم وعقل ، وكونه عقلا ، وعاقلا ، ومعقولا شيء واحد ، فقال ابن عباد : لا يقال : يعلم نفسه ، لأنه قد يؤدي إلى تمايز بين العالم والمعلوم. ولا يعلم غيره ؛ لأنه يؤدي إلى كون علمه من غيره يحصل ، فإما أن لا يصح النقل ، وإما أن يحمل على مثل هذا المحمل ، ولسنا من رجال ابن عباد فنطلب لكلامه وجها.
٧ ـ المرداريّة (٢)
أصحاب عيسى بن صبيح (٣) المكنى بأبي موسى ، الملقب بالمردار (٤). وقد تلمذ لبشر بن المعتمر ، وأخذ العلم منه وتزهد ، ويسمى راهب المعتزلة. وإنما انفرد عن أصحابه بمسائل :
الأولى منها : قوله في القدر إن الله تعالى يقدر على أن يكذب ويظلم ، ولو كذب وظلم كان إلها كاذبا ظالما ، تعالى الله عن قوله (٥).
__________________
(١) الصحيح أن يقال : غير المعقول.
(٢) راجع في شأن هذه الفرقة : التبصير ص ٤٧ والفرق بين الفرق ص ١٦٤.
(٣) هو أبو موسى : عيسى بن صبيح ، ولقبه المردار وفي طبقات المعتزلة «ابن المردار» قال ابن الإخشيد : هو من علماء المعتزلة ومن المقدمين فيهم ، وكان ممن أجاب بشر بن المعتمر ، ومن جهة أبي موسى انتشر الاعتزال في بغداد ، توفي في حدود سنة ٢٢٦ ه. (راجع طبقات المعتزلة ص ٧٠ ـ ٧١).
(٤) هذا القول لا يليق إلّا بدينه الرقيق الذي ليس له تحقيق. (التبصير ص ٤٧).