وإن عرف ذلك كله ثم جحده وأنكره ، وقال بالتشبيه والجبر ، فهو مشرك كافر حقا ، وإن لم ينظر في شيء من ذلك كله ، وأعتقد أن الله تعالى ربه ، وأن محمدا رسول الله ، فهو مؤمن لا لوم عليه ، ولا تكليف عليه غير ذلك.
وحكى ابن الراوندي عنه أنه قال : إن للقرآن جسدا يجوز أن يقلب مرة رجلا ، ومرة حيوانا. وهذا مثل ما يحكى عن أبي بكر الأصم أنه زعم أن القرآن جسم مخلوق. وأنكر الأعراض أصلا. وأنكر صفات الباري تعالى ، (ومذهب الجاحظ هو بعينه مذهب الفلاسفة ، إلا أن الميل منه ومن أصحابه إلى الطبيعيين منهم أكثر منه إلى الإلهيين).
١١ ـ الخيّاطيّة (١) والكعبيّة (٢)
أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط (٣) ، أستاذ أبي القاسم بن محمد الكعبي (٤). وهما من معتزلة بغداد على مذهب واحد ، إلا أن الخياط غالى في إثبات المعدوم شيئا وقال (٥) : الشيء ما يعلم ويخبر عنه ، والجوهر جوهر في العدم ، والعرض عرض في العدم ، وكذلك أطلق جميع الأجناس والأصناف حتى قال : السواد سواد في العدم ، فلم يبق إلا صفة الوجود أو الصفات التي تلزم الوجود والحدوث ، وأطلق على المعدوم لفظ الثبوت (٦) ، وقال في نفي الصفات عن الباري
__________________
(١) راجع في شأن الخياطيّة. (التبصير ص ٥١ والفرق بين الفرق ص ١٧٩).
(٢) راجع في شأن الكعبية. (التبصير ص ٥١ والفرق بين الفرق ص ١٨١).
(٣) هو أبو الحسين : عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط ذكره ابن المرتضى في رجال الطبقة الثامنة وقال عنه: أستاذ أبي القاسم البلخي عبد الله بن أحمد وكان أبو علي يفضل البلخي على أستاذه وله كتب كثيرة في النقص على ابن الراوندي. وكان أبو الحسين فقيها صاحب حديث واسع الحفظ لمذاهب المتكلّمين ، توفي سنة ٣٠٠ ه. (راجع طبقات المعتزلة ص ٨٥).
(٤) تقدمت ترجمته.
(٥) قال عبد القاهر إنه انفرد بقول لم يسبق إليه في المعدوم راجعه ص ١٧٩.
(٦) قد زاد في قوله على جميع القدرية ، فوصف المعدوم بأنه جسم فيلزمه أن يجوز كون المعدوم رجلا راكبا جملا وبيده سيف مسلط ، يصول عليه ويلقنه مثل هذه البدع ، والقدرية وإن قالوا في المعدوم إنه شيء وجوهر وعرض وسواد وبياض فإنهم لا يقولون إنه جسم وإنه قابل للأعراض. وهذا القول منه يوجب كون الأجسام قديمة ويفضي به إلى نفي الصانع. (راجع التبصير ص ٥١).