ذلك يقضي تشبيها. فنفي كونه حيا عالما. وأثبت كونه : قادرا ، فاعلا ، خالقا (١) ؛ لأنه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة ، والفعل ، والخلق.
ومنها إثباته علوما حادثة للباري تعالى (٢) لا في محل. قال : لا يجوز أن يعلم الشيء قبل خلقه ؛ لأنه لو علم ثم خلق ، أفبقي علمه على ما كان أم لم يبق؟ فإن بقي فهو جهل ، فإن العلم بأن سيوجد غير العلم بأن قد وجد. وإن لم يبق فقد تغير ، والمتغير مخلوق ليس بقديم. ووافق في هذا المذهب هشام بن الحكم كما تقرر. قال : وإذا ثبت حدوث العلم فليس يخلو : إما أن يحدث في ذاته تعالى ، وذلك يؤدي إلى التغير في ذاته ، وأن يكون محلا للحوادث ، وإما أن يحدث في محل فيكون المحل موصوفا به ، لا الباري تعالى ، فتعين أنه لا محل له. فأثبت علوما حادثة بعدد الموجودات المعلومة.
ومنها قوله في القدرة الحادثة : إن الإنسان لا يقدر على شيء ، ولا يوصف بالاستطاعة ، وإنما هو مجبور في أفعاله ؛ لا قدرة له ، ولا إرادة ، ولا اختيار. وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات ، وتنسب إليه الأفعال مجازا كما تنسب إلى الجمادات ، كما يقال : أثمرت الشجرة ، وجرى الماء ، وتحرك الحجر ، وطلعت الشمس وغربت ، وتغيمت السماء وأمطرت ، واهتزت الأرض وأنبتت ، إلى غير ذلك (٣). والثواب والعقاب جبر ، كما أن الأفعال كلها جبر. قال : وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضا كان جبرا.
__________________
(١) مقال : إنما يقال في وصفه أنه قادر وموجد وفاعل وخالق ومحيي ومميت ، لأن هذه الأوصاف مختصّة به وحده. (راجع الفرق بين الفرق ص ٢١٢ والتبصير ص ٦٤).
(٢) قال جهم : «إن علم الله محدث ، هو أحدثه فعلم به وأنه غير الله ، وقد يجوز عنده أن الله يكون عالما بالأشياء كلّها قبل وجودها بعلم يحدثه قبلها. وحكى عنه حاك خلاف هذا ... (راجع مقالات الإسلاميين للأشعري ٢ : ٤٩٤).
(٣) هذا القول خلاف ما تجده العقلاء في أنفسهم ، لأن كل من يرجع إلى نفسه يفرق في نفسه بين ما يرد عليه من أمر ضروري لا اختيار له فيه وبين ما يختاره ويضيفه لنفسه. فالعاقل يفرق بين حركة ضرورية ـ