الفصل الخامس
حكماء الهند
كان لفيثاغورس الحكيم اليوناني تلميذ يدعى قلانوس ، قد تلقى الحكمة منه ، وتلمذ له. ثم صار إلى مدينة من مدائن الهند ، وأشاع فيها مذهب فيثاغورس.
وكان برخمنين رجلا جيد الذهن ، نافذ البصيرة ، صائب الفكر ، راغبا في معرفة العوالم العلوية ، قد أخذ من قلانوس الحكيم حكمته ، واستفاد منه علمه وصنعته. فلما توفي قلانوس ترأس برخمنين على الهند كلهم ، فرغب الناس في تلطيف الأبدان ، وتهذيب الأنفس ، وكان يقول : أيّ امرئ هذب نفسه وأسرع الخروج عن هذا العالم الدنس ، وطهّر بدنه من أوساخه ، ظهر له كل شيء ، وعاين كل غائب ، وقدر على كل متعذر. وكان محبورا مسرورا ، ملتذا عاشقا ، لا يمل ولا يكل ، ولا يمسه نصب ولا لغوب (١) ، فلما نهج لهم الطريق واحتج عليهم بالحجج المقنعة ؛ اجتهدوا اجتهادا شديدا ، وكان يقول أيضا : إن ترك لذات هذا العالم هو الذي يلحقكم بذلك العالم حتى تتصلوا به وتنخرطوا في سلكه ، وتخلدوا في لذاته ونعيمه ، فدرس أهل الهند هذا القول ورسخ في عقولهم.
١ ـ اختلاف الهنود بعد وفاة برخمنين
ثم توفي عنهم برخمنين وقد تجسم القول في عقولهم لشدة الحرص والعجلة في اللحاق بذلك العالم ، فافترقوا فرقتين :
فرقة قالت : إن التناسل في هذا العالم هو الخطأ الذي لا خطأ أبين منه ، إذ هو نتيجة اللذة الجسدانية ، وثمرة النطفة الشهوانية فهو حرام ، وما يؤدي إليه من الطعام اللذيذ، والشراب الصافي ، وكل ما يهيج الشهوة واللذة الحيوانية ، وينشط القوة البهيمية فهو حرام أيضا ، فاكتفوا بالقليل من الغذاء على قدر ما تثبت به
__________________
(١) النصب واللغوب : التعب والإعياء.