أبدانهم ، ومنهم من كان لا يرى ذلك القليل أيضا ليكون لحاقه بالعالم الأعلى أسرع ؛ ومنهم من إذا رأى عمره قد تنفس ألقى بنفسه في النار ، تزكية لنفسه ، وتطهيرا لبدنه ، وتخليصا لروحه ، ومنهم من يجمع ملاذ الدنيا من الطعام والشراب والكسوة فيمثلها نصب عينيه لكي يراها البصر وتتحرك نفسه البهيمية إليها فتشتاقها وتشتهيها ، فيمنع نفسه عنها بقوة النفس المنطقية حتى يذبل البدن ، وتضعف النفس ، وتفارق البدن لضعف الرباط الذي كان يربطها به.
وأما الفريق الآخر : فإنهم كانوا يرون التناسل والطعام والشراب وسائر اللذات بالقدر الذي هو طريق الحق حلالا.
وقليل منهم من يتعدى عن الطريق ويطلب الزيادة.
وكان قوم من الفريقين سلكوا مذهب فيثاغورس من الحكمة والعلم فتلطفوا حتى صاروا يظهرون على ما في أنفس أصحابهم من الخير والشر ، ويخبرون بذلك فيزيدهم ذلك حرصا على رياضة الفكر ، وقهر النفس الأمارة بالسوء ، واللحوق بما لحق به أصحابهم.
ومذهبهم في الباري تعالى أنه نور محض ؛ إلا أنه لابس جسدا ما يستتر به لئلا يراه إلا من استأهل رؤيته واستحقها كالذي يلبس في هذا العالم جلد حيوان ، فإذا خلعه نظر إليه من وقع بصره عليه ، وإذا لم يلبسه لم يقدر أحد من النظر إليه ، ويزعمون أنهم كالسبايا في هذا العالم ، فإن من حارب النفس الشهوية حتى منعها عن ملاذها فهو الناجي من دنيات العالم السفلي ، ومن لم يمنعها بقي أسيرا في بدنها ؛ والذي يريد أن يحارب هذا أجمع فإنما يقدر على محاربتها بنفي التجبر والعجب ، وتسكين الشهوة ، والحرص ، والبعد عما يدل عليها ويوصل إليها.
٢ ـ الإسكندر في الهند
ولمّا وصل الإسكندر إلى تلك الديار وأراد محاربتهم صعب عليه افتتاح مدينة أحد الفريقين ، وهم الذين كانوا يرون استعمال اللذات في هذا العالم بقدر القصد