الذي لا يخرج إلى فساد البدن ، فجهد حتى فتحها ، وقتل منهم جماعة من أهل الحكمة ، فكانوا يرون جثث قتلاهم مطروحة كأنها جثث السمك الصافية النقية التي في الماء الصافي ، فلما رأوا ذلك ندموا على فعلهم ذلك بهم ، وأمسكوا عن الباقين.
والفريق الثاني وهم الذين زعموا أن لا خير في اتخاذ النساء والرغبة في النسل ولا في شيء من الشهوات الجسدانية كتبوا إلى الإسكندر كتابا مدحوه فيه على حب الحكمة وملابسة العلم ، وتعظيم أهل الرأي والعقل ، والتمسوا منه حكيما يناظرهم فنفذ إليهم واحدا من الحكماء فنضلوه (١) بالنظر ، وفضلوه بالعمل ، فانصرف الإسكندر عنهم ووصلهم بجوائز سنيّة وهدايا كريمة ، فقالوا إذا كانت الحكمة تفعل بالملوك هذا الفعل في هذا العالم ، فكيف إذا لبسناها على ما يجب لباسها ، واتصلت بنا غاية الاتصال؟ ومناظراتهم مذكورة في كتب أرسطوطاليس.
* * *
ومن سنتهم إذا نظروا إلى الشمس قد أشرقت سجدوا لها وقالوا : ما أحسنك من نور وما أبهاك وما أنورك ، لا تقدر الأبصار أن تلتذ بالنظر إليك ، فإن كنت أنت النور الأول الذي لا نور فوقك فلك المجد والتسبيح ، وإياك نطلب وإليك نسعى لندرك السكن بقربك وننظر إلى إبداعك الأعلى ، وإن كان فوقك وأعلى منك نور آخر أنت معلول له ، فهذا التسبيح وهذا المجد له ، وإنما سعينا وتركنا جميع لذات هذا العالم لنصير مثلك ، ونلحق بعالمك ، ونتصل بساكنك. وإذا كان المعلول بهذا البهاء والجلال ؛ فكيف يكون بهاء العلة وجلالها ومجدها وكمالها؟ فحق لكل طالب أن يهجر جميع الملذات فيظفر بالجوار بقربه ، ويدخل في غمار جنده وحزبه.
* * *
__________________
(١) نضله : سبقه وغلبه في النضال.