بسم الله الرّحمن الرّحيم
[مقدمة المصنف]
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا. قال الشيخ الإمام الأوحد ، الحافظ ، العلم ، ناصر الدين أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (رضي الله عنه) :
الحمد لله حمدا كثيرا ، وصلى الله على محمد عبده ورسوله وخاتم أنبيائه بكرة وأصيلا ، وسلم تسليما.
أما بعد : فإن كثيرا من الناس كتبوا في افتراق الناس في دياناتهم ومقالاتهم كتبا كثيرة جدّا ، فبعض أطال وأسهب (١) ، وأكثر وهجّر (٢) ، واستعمل الأغاليط والشغب ، فكان ذلك شاغلا عن الفهم ، وقاطعا دون العلم. وبعض حذف وقصّر ، وقلّل واختصر ، وأضرب عن كثير من قويّ معارضات أصحاب المقالات فكان في ذلك غير منصف لنفسه في أن يرضى لها بالغبن في الإبانة وظالما لخصمه في أن لم يوفّه حق اعتراضه ، وباخسا حقّ من قرأ كتابه ، إذ لم يفنّد (٣) به غيره. وكلهم ـ إلّا تحلّة القسم (٤) ـ عقد كلامه تعقيدا يتعذر فهمه على كثير من أهل الفهم ، وحلّق على المعاني من بعد حتى صار ينسي آخر كلامه أوّله ، وأكثر هذا منهم ستائر دون فساد
__________________
(١) أسهب : أكثر من الكلام وأطال. ويقال : أسهب كلامه وفيه ، وفي كلامه إسهاب (المعجم الوسيط : ص ٤٥٧).
(٢) الهجر : الهذيان والقبيح من القول (المعجم الوسيط : ص ٩٧٣).
(٣) يقال : فنّد رأي فلان : أضعفه وأبطله (المعجم الوسيط : ص ٧٠٣).
(٤) تحلّة القسم : قال العلماء : معناه ما ينحلّ به القسم وهو اليمين ، قال ابن قتيبة : معناه تقليل مدة ورودها ، قال : وتحلّة القسم تستعمل في هذا في كلام العرب. وقد وردت هذه اللفظة في حديث عند مسلم (كتاب البرّ والصلة والآداب ، حديث ١٥٠) عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسّه النار إلا تحلّة القسم».