فصل في الكلام على
من أنكر الشرائع من المنتمين إلى الفلسفة بزعمهم
وهم أبعد الناس عن العلم بها جملة
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : نبين في هذا الفصل بحول الله تعالى وقوته وجوب صحة الشرائع على ما توجبه أصول الفلاسفة على الحقيقة أولهم عن آخرهم على اختلاف أقوالهم في غير ذلك إن شاء الله تعالى.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : الفلسفة على الحقيقة إنما معناها وثمرتها والغرض المقصود نحوه بتعلمها ، ليس هو شيئا غير إصلاح النفس ، بأن تستعمل في دنياها الفضائل وحسن السيرة المؤدية إلى سلامتها في المعاد ، وحسن السياسة والرّعية ، وهذا نفسه لا غيره هو الغرض في الشريعة ، هذا ما لا خلاف فيه بين أحد العلماء بالفلسفة ، ولا بين أحد من العلماء بالشريعة ، فيقال لمن انتمى إلى الفلسفة بزعمه وهو ينكر الشريعة بجهله على الحقيقة بمعاني الفلسفة ، وبعده عن الوقوف على غرضها ومعناها :
أليست الفلسفة بإجماع من الفلاسفة مبينة للفضائل من الرذائل؟ موقفة على البراهين المفرّقة بين الحق والباطل؟ فلا بد من بلى ضرورة. فيقال له أليس الفلاسفة كلهم قد قالوا : صلاح العالم بشيئين : أحدهما باطن والآخر ظاهر؟ فالباطن : هو استعمال النفس للشرائع الزاجرة عن تظالم الناس وعن القبائح. والظاهر : هو التحصين بالأسوار ، واتخاذ السلاح لدفع العدو الذي يريد ظلم الناس والإفساد ، ثم أضافوا إلى إصلاح النفوس بما ذكرنا إصلاح الأجساد بالطب؟ فلا بدّ من بلى ضرورة. فيقال لهم : فهل صلاح العالم وانكفاف الناس عن القتل الذي فيه فناء الخلق ، وعن الزنى الذي فيه فساد النسل وخراب المواريث ، وعن الظلم الذي فيه الضرر على الأنفس والأموال وخراب الأرض ، وعن الرذائل من البغي والحسد والكذب والجبن والبخل والنميمة والغش والخيانة وسائر الرذائل إلّا بشرائع زاجرة للناس عن كل ذلك؟ فلا بد من نعم ضرورة ، وإلّا وجب الإهمال الذي فيه فساد كل ما ذكرنا ، فإذا لا بدّ من ذلك ، ولو لا ذلك لفسد العالم كله ، ولفسدت العلوم كلها ، ولكان الإنسان قد بطلت فضيلة الفهم والنطق والعقل الذي فيه صار كالبهائم ، فلا تخلو تلك الشرائع من أحد وجهين :
إمّا أن تكون صحاحا من عند الله عزوجل الذي هو خالق العالم ومدبره كما يقول أصحاب الشرائع.