قال : «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وقد تحدث في خلال هذه الأقوال آراء هي منتجة من هذه الرءوس ، ومركبة منها ، فمنها ما قد قالت به طوائف من الناس مثل ما ذهبت إليه فرق من الأمم من القول بتناسخ الأرواح (١) ، أو القول بتواتر النبوّات في كلّ وقت ، وأنّ في كل نوع من أنواع الحيوان أنبياء ، ومثل ما قد لقيت جماعة من القائلين به ، وناظرتهم عليه من القول بأن العالم محدث وله مدبّر لم يزل ، إلّا أن النفس والمكان المطلق ، وهو الخلاء والزمان المطلق لم تزل معه.
قال «أبو محمد» : وهذا قول قد ناظرني عليه عبد الله بن خلف بن مروان الأنصاري ، وعبد الله بن محمد السلمي الكاتب ، ومحمد بن علي بن أبي الحسين الأصبحي الطبيب ، وهو قول يؤثر عن محمد بن زكريا الرازي الطبيب (٢) ، ولنا عليه فيه كتاب مفرد في نقد كتابه في ذلك ، وهو المعروف بالعلم الإلهي ، وكمثل ما ذهب إليه قوم من أن الفلك لم يزل ، وأنه غير الله تعالى ، وأنه هو المدبر للعالم الفاعل له إجلالا بزعمهم لله عزوجل عن أن يوصف بأنه فعل شيئا من الأشياء وقد كنّى بعضهم عن ذلك بالعرش. ومنها ما لا نعلم أن أحدا قال به إلّا أنه غير الله تعالى ، وأنه هو المدبر للعالم الفاعل له إجلالا بزعمهم لله عزوجل من أن يوصف بأنه فعل شيئا من الأشياء وقد كنّى بعضهم عن ذلك بالعرش. ومنها ما لا نعلم أن أحدا قال به إلّا أنه مما لا يؤمن أن يقول به قائل من المخالفين عند تطبيق الحجج عليهم ، فيلجئون إليها ، فلا بدّ إن شاء الله تعالى من ذكر ما يقتضيه مساق الكلام منها.
وذلك مثل القول : بأنّ العالم محدث ولا محدث له ، فلا بدّ بحول الله تعالى من إثبات المحدث بعد الكلام في إثبات الحدوث ، وبالله تعالى التوفيق والعون لا إله إلّا هو.
باب مختصر جامع في ماهية البراهين الجامعة الموصلة إلى معرفة
الحق في كل ما اختلف فيه الناس وكيفية إقامتها
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذا باب قد أحكمناه في كتابنا المرسوم
__________________
(١) تناسخ الأرواح : مذهب طوائف الهندوس. وهناك أيضا بعض الفرق التي تدّعي الانتماء إلى الإسلام تؤمن به أيضا.
(٢) هو أبو بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب. أصله من الريّ وقدم بغداد وتعلم بها الطب وباشر