فصل
عدم الاختلاف في توراة اليهود
في أول ورقة من توراة اليهود التي عند ربّانيهم ، وعانانيهم (١) ، وعيسويهم حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها ـ لا يختلفون فيها على صفة واحدة ولو رام أحد أن يزيد فيها لفظة أو ينقص أخرى لافتضح عند جميعهم مبلغة ذلك إلى أحبارهم الذين كانوا أيام ملك الهارونية لهم قبل «الخراب الثاني» بدهر ، يذكرون أنها مبلغة ذلك من أولئك إلى عزرا الوراق الهاروني ، ففي صدرها قال الله تعالى :
«أصنع بناء كصورتنا كشبهنا».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : ولو لم يقل إلا كصورتنا لكان له وجه حسن ومعنى صحيح ، وهو أن نضيف الصورة إلى الله تعالى إضافة الملك والخلق ، كما تقول هذا عمل الله ، وتقول للقرد والقبيح والحسن هذه صورة الله ، أي تصوير الله ، والصفة التي انفرد بملكها وخلقها ، لكن قوله «كشبهنا» منع التأويلات ، وسدّ المخارج ، وقطع السبل وأوجب شبه آدم لله عزوجل ولا بد ضرورة.
وهذا يعلم بطلانه ببديهة العقل ، إذ الشبه والمثل معناهما واحد ، وحاشا لله أن يكون له مثل أو شبيه.
فصل
الكلام عن الأنهر في التوراة
وبعد ذلك قال :
«ونهر يخرج من عدن فيسقي الجنان ، ومن ثمّ يفترق فيصير أربعة أرؤس ، اسم أحدها النيل ، وهو محيط بجميع بلاد زويلة (٢) الذي به الذّهب ، وذهب ذلك البلد
__________________
(١) كذا في الأصل ، ولعل الصواب : «عنانيهم» بدون ألف بعد العين : نسبة إلى العنانية من فرق اليهود. وقد تقدم كلام المصنف عليها.
(٢) زويلة (بالفتح ثم الكسر) : بلدان بالمغرب أحدهما زويلة السودان مقابل أجدابية في البر بين بلاد السودان افريقية ، والأخرى غير مشهورة في وسط الصحراء وهي أول حدود السودان. وقيل : الأخرى زويلة المهدية مدينة بإفريقية إلى جانب المهدية بينهما رمية سهم فقط. وزويلة