وقد بعث إليه «الواثق» (١) أمير المؤمنين «سلام الترجمان» في جماعة معه حتى وقفوا عليه. ذكر ذلك «أحمد بن الطيب السرخسي» (٢) وغيره ، وقد ذكره «قدامة بن جعفر» (٣) والناس ، فهيهات خبر من خبر. وحتى لو خفي مكان «يأجوج» و «مأجوج» والسدّ فلم يعرف في شيء من المعمور مكانه لما ضر ذلك خبرنا شيئا ، لأنه كان يكون مكانه حينئذ خلف خط الاستواء حيث يكون ميل الشمس ورجوعها وبعدها كما هو في الجهة الشمالية ، بحيث تكون الآفاق كبعض آفاقنا المسكونة ، والهواء كهواء بعض البلاد التي يوجد فيها النبات والتناسل.
واعلموا أن كل ما كان في عنصر الإمكان فأدخله مدخل في عنصر الامتناع بلا برهان فهو كاذب مبطل جاهل أو متجاهل ، لا سيما إذا أخبر به من قد قام البرهان على صدق خبره ، وإنما الشأن في المحال الممتنع الذي تكذبه الحواس والعيان أو بديهة العقل ، فمن جاء بهذا فإنما جاء ببرهان قاطع على أنه كذاب مفتر ونعوذ بالله من البلاء.
فصل
ادعاء التوراة أن آدم إله من الآلهة
ثم قال : وقال الله : «هذا آدم قد صار كواحد منا معرفة في الخير والشر والآن
__________________
(١) هو الخليفة أبو جعفر وأبو القاسم هارون ابن المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن هارون الرشيد ابن المهدي محمد ابن المنصور العباسي البغدادي ، وأمه رومية اسمها «قراطيس» أدركت خلافته. ولي العهد بعد أبيه سنة ٢٢٧ ه. ومات بسامرّا لستّ بقين من ذي الحجة سنة ٢٣٢ ه. وبايعوا بعده أخاه المتوكل. انظر تاريخ اليعقوبي (٣ / ٢٠٤) وتاريخ الطبري (٩ / ١٢٣) وتاريخ بغداد (١٤ / ١٥) وفوات الوفيات (٤ / ٢٢٨) وسير أعلام النبلاء (١٠ / ٣٠٦) وتاريخ الخلفاء (ص ٣٦٧) والأغاني (٩ / ٢٧٦ ـ ٣٠٠).
(٢) هو الفيلسوف أبو العباس أحمد بن الطيب ـ وقيل أحمد بن محمد ـ السرخسي. كان مؤدب المعتضد ثم صار نديمه وصاحب سرّه ومشورته. وهو تلميذ يعقوب بن إسحاق الكندي الفيلسوف. قتله المعتضد سنة ٢٨٦ ه. انظر ترجمته في معجم الأدباء (٣ / ٩٨ ـ ١٠٢) وسير أعلام النبلاء (١٣ / ٤٤٨ ، ٤٤٩) والوافي بالوفيات (٧ / ٥ ـ ٨) ولسان الميزان (١ / ١٨٩ ـ ١٩٢).
(٣) هو أبو الفرج قدامة بن جعفر بن قدامة. بياني ، حكيم ، منطقي ، أخباري ، أديب ، كاتب ، ناقد. كان نصرانيّا فأسلم على يد المكتفي بالله. وسكن البصرة ، ثم انتقل إلى بغداد. وجالس المبرّد وثعلبا وغيرهما. من آثاره : سر البلاغة في الكتابة ، نقد الشعر ، كتاب الخراج ، زهر الربيع في الأخبار ، وصناعة الجدل. توفي سنة ٣٣٧ ه. انظر ترجمته في معجم الأدباء (١٧ / ١٢ ـ ١٥)