وهذه كذبات واضحة نعوذ بالله من مثلها ، لأن في نصوص توراتهم كما أوردنا : أن «متوشالح» لم يغرق ، لأنه لو غرق لم يستوف تمام السنة الموفية ستمائة سنة «لنوح». وفي نصها أنه استوفاها. وأيضا فإنه عندهم محمود ممدوح لم يستحق الهلاك قط. وأبطلوا أيضا أن يكون دخل التابوت إذ قطعوا بأنه لم يدخلها إنسيّ أعني السفينة إلا نوح وبنوه الثلاثة ونساؤهم ، وأبطلوا أن ينجو في غير التابوت بقطعهم أنه لم ينج إنس ولا حيوان في غير التابوت. ولا بد «لمتوشالح» من أحد هذه الوجوه الثلاثة ، فلاح الكذب البحت في نقل توراتهم ضرورة. وتيقن كل ذي عقل أنها غير منزلة من الله تعالى ولا جاء بها نبي أصلا ، لأن الله تعالى لا يكذب ، والأنبياء لا تأتي بالكذب ، فصح يقينا أنها من عمل زنديق جاهل ، أو مستخفّ متلاعب بها. ونعوذ بالله من مثل مقالهم ، وفي هذا الفصل كفاية فكيف ومعه أمثال كثيرة.
فصل
مباركة نوح لابنه سام
وبعد ذلك ذكر أن نوحا إذ بلغه فعل ابنه حام أبي كنعان فقال : ملعون «كنعان» عبد العبيد يكون لإخوته مستعبدا يكون لأخويه. يبارك الإله ساما ويكون أبو كنعان عبدا لهم ، إحسان الله «ليافث» ، ويسكن في أخبية سام ، ويكون أبو كنعان عبدا لهم. ثم نسي المحرف أو تعاظم استخفافا بهم فلم يطل لكنه بعد ستة أسطر قال إذ ذكر أولاد حام فقال : بنو حام «كوش» و «مصرايم» و «فوحا» و «كنعان». وبنو كوش : «وصبان» و «زويلة» و «رغاوة» و «رعمة» و «سفتخا». وبنو «رعمة» : «السند» و «الهند» و «كوش ولد نمرود» الذي ابتدأ يكون جبارا في الأرض الذي كان جبار صيد بين يدي الله عزوجل ، وكان أول مملكته «بابل». فحصل من هذا الخبر تكذيب نوح في خبره ، وهو بإقرارهم نبي معظم جدّا. وإذ وصف أن ولد أبي كنعان صاروا ملوكا على إخوة بني كنعان وعلى بنيهم ، ثم العجب كله أن على ما توجبه توراتهم كان ملك نمروذ بن كوش بن كنعان بن حام على جميع الأرض ونوح حي ، وسام بن نوح حي ، لأن في نص توراتهم أن نوحا عاش إلى أن بلغ إبراهيم بن تارح عليهالسلام ثمانية وخمسين عاما. وأن سام بن نوح عاش إلى أن بلغ يعقوب وعيصا ابنا إسحاق بن إبراهيم عليهماالسلام خمسا وأربعين سنة ، على ما ذكره من مواليدهم أبا فأبا.
فما لنا نرى خبر نوح معكوسا؟ فإن قالوا : إنّ السودان تملكوا اليوم قلنا وفي