يكذب موسى عليهالسلام أو يخطئ فيما أوحى الله تعالى به ، فوضح لكل من له أدنى فهم وضوحا يقينيّا كما أن أمس قبل اليوم ـ أنها ليست من عند الله تعالى ، ولا من أخبار نبي ولا من تأليف عالم يتقي الكذب ، ولا من عمل من يحسن الحساب ، ولا يخطئ فيما لا يخطئ فيه صبي يحسن الجمع والطرح والقسمة والتسمية ، ولكنها بلا شك من عمل كافر مستخف ماجن سخر بهم ، وتطايب عليهم ، وكتب لهم ما سخّم (١) الله به وجوههم عاجلا في الدنيا بالفضيحة ، وآجلا في الآخرة بالنار والخلود فيها ، أو من عمل تيس أرعن تكلف إملاء ما لم يقم بحفظه جاهل مع ذلك مظلم الجهل بالهيئة وصفة الأرض وبالحساب وبالله تعالى وبرسله عليهمالسلام ، فأملى ما خرج إلى فهمه من خبيث وطيب ، ولقد كان في هذا الفصل كفاية لمن نصح نفسه لو لم يكن غيره فكيف ومعه عجائب جمة؟ ونحمد الله تعالى على نعمة الإسلام كثيرا.
فصل
ادعاء التوراة بأن نسل إبراهيم يملكون من النيل إلى الفرات
وبعد ذلك أن الله تعالى قال لإبراهيم عليهالسلام :
«لنسلك أعطي هذا البلد من نهر مصر النهر الكبير إلى نهر الفرات». وهذا كذب وشهرة (٢) من الشهر ، لأنه إن كان عنى بني إسرائيل ، وهكذا يزعمون ، فما ملكوا قط من نهر مصر ، ولا على نحو عشرة أيام منه شبرا مما فوقه ، وذلك من موقع النيل إلى قرب بيت المقدس ، وفي هذه المسافة الصحارى المشهورة الممتدة ، والحضار (٣) ، ثم «رفح» (٤) و «غزة» (٥) و «عسقلان» (٦) و «جبال
__________________
(١) سخّم الله وجهه : سوّده (المعجم الوسيط : ص ٤٢٢).
(٢) الشّهرة : ظهور الشيء في شنعة (المرجع السابق : ص ٤٩٨).
(٣) جمع حاضرة : خلاف البادية ، وهي المدن والقرى والريف (المرجع السابق : ١٨١).
(٤) رفح : منزل في طريق مصر بعد الداروم بينه وبين عسقلان يومان لقاصد مصر (مراصد الاطلاع : ص ٦٢٣).
(٥) غزة : مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر بينها وبين عسقلان فرسخان أو أقل في غربيها ، من عمل فلسطين (المرجع السابق : ص ٩٩٣).
(٦) عسقلان : مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وجبرين يقال لها عروس الشام (المرجع السابق : ص ٩٤٠).