فالموعودون بملك ذلك البلد هم المتوعدون بأنهم يمتلكون ويعذبون في البلد الآخر. وقد أكرم الله تعالى بني إسماعيل وصانهم عن ذلك فوضح الكذب الفاحش في الأخبار المذكورة ، وصح أنه ليس من عند الله عزوجل ، ولا من كلام نبي أصلا بل من تبديل وغد جاهل كالحمار بلادة ، أو متلاعب بالدين وفاسد المعتقد ونعوذ بالله من الخذلان.
فصل
إخراج إبراهيم من أتون الكردانيين إلى بلد آمن
ومنها أن الله تعالى قال لإبراهيم :
«أنا الله أخرجتك من أتون الكردانيين لأعطيك من هذا البلد حوزا. فقال له إبراهيم : يا رب بما ذا أعرف أني أرث هذا البلد؟».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : حاش لله أن يقول إبراهيم عليهالسلام لربه هذا الكلام ، فهذا كلام من لم يثق بخبر الله عزوجل حتى طلب على ذلك برهانا. فإن قال قائل جاهل : ففي القرآن قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [سورة البقرة : ٢٦٠] وأن زكريا قال لله تعالى إذ وعده بابن يسمى «يحيى» : (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) [سورة آل عمران : ٤١]. قلنا : بين المراجعات المذكورة فرق كما بين المشرق والمغرب ، أما طلب إبراهيم عليهالسلام رؤية إحياء الموتى فإنما طلب ذلك ليطمئن قلبه المنازع له إلى رؤية الكيفية في ذلك فقط.
بيان ذلك قوله تعالى له : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [سورة البقرة : ٢٦٠] فوضح أن إبراهيم لم يطلب ذلك برهانا على شك أزاله عن نفسه ، لكن ليرى الهيئة فقط. وأما زكريا عليهالسلام فإنما طلب آية تكون له عند الناس لئلا يكذّبوه ، هذا نص كلامه ، والذي ذكروه عن إبراهيم عليهالسلام كلام شاكّ يطلب برهانا يعرف به صحة وعد ربه له. تعالى الله عن ذلك ، وحاش لإبراهيم منه.
فصل
التقاء إبراهيم بالملائكة عليهمالسلام
وبعد ذلك قال :
«وتجلّى الله لإبراهيم عند بلّوطات ممرا وهو جالس عند باب الخباء عند حمى