يقولون : إنه بقي في تلك المغارة شريدا طريدا فقيرا لا شيء له يرجع إليه. فكيف يدخل في عقل من له أقل إيمان أن إبراهيم عليهالسلام يترك ابن أخيه الذي تغرب معه ، وآمن به ، ثم تنبأ مثله يضيع ويسكن في مغارة مع ابنتيه فقيرا هالكا وهو على ثلاثة أميال منه؟! وإبراهيم على ما ذكر في التوراة عظيم المال ، مفرط الغنى ، كثير اليسار من الذهب والفضة ، والعبيد والإماء ، والجمال والبقر والغنم والحمير ، ويقولون في توراتهم : إنه ركب في ثلاثمائة مقاتل وثمانية عشر مقاتلا لحرب الذين سبوا لوطا وماله حتى استنقذوه وماله. فكيف يضيعه بعد ذلك هذا التضييع؟ ليست هذه صفات الأنبياء ولا كرامتهم ، ولا صفات من فيه شيء من الخير ، لكن صفات الكلاب الذي وضعوا لهم هذه الخرافات الباردة التي لا فائدة فيها ، ولا موعظة ، ولا عبرة حتى ضلوا بها ، ونعوذ بالله من الخذلان.
فصل
أسر فرعون لسارة زوجة إبراهيم عليهالسلام
وفي موضعين من توراتهم المبدّلة : أنّ سارة امرأة إبراهيم عليهالسلام أخذها فرعون ملك مصر ، وأخذها ملك الخلص أبو مالك مرة ثانية ، وأن الله سبحانه وتعالى أرى الملكين في منامهما ما أوجب ردّها إلى إبراهيم عليهالسلام. وذكر أن سنّ إبراهيم عليهالسلام إذ انحدر من «حران» (١) خمسة وسبعون عاما ، وأن إسحاق ولد له وهو ابن مائة سنة ، ولسارة إذ ولد تسعون عاما فصح أنه كان يزيد عليها عشر سنين. وذكر أن ملك الخلص أخذها بعد أن ولدت إسحاق ـ وهي عجوز مسنة بإقرارها بلسانها إذ بشرت بإسحاق ـ فكيف بعد أن ولدته وقد جاوزت تسعين عاما؟ ومن المحال أن تكون في هذا السن تفتن ملكا ، وأن إبراهيم قال في كلتا المرتين هي أختي ، وذكر عن إبراهيم أنه قال للملك هي أختي بنت أبي لكن ليست من أمي فصارت لي زوجة. فنسبوا في نص توراتهم إلى إبراهيم عليهالسلام أنه تزوّج أخته. وقد وقفت على هذا الكلام من بعض من شاهدناه منهم ، وهو إسماعيل بن يوسف الكاتب المعروف بابن النغرالي ، فقال لي : إن نص اللفظة في التوراة «أخت»
__________________
(١) حرّان : مدينة قديمة قصبة ديار مضر بينها وبين الرّها يوم وبين الرقة يومان. قيل : هي أول مدينة بنيت بعد الطوفان ، وكانت منازل الصابئة الحرانيين الذين يذكرهم مصنفو الملل والنحل. وهي مهاجر الخليل عليهالسلام. انظر مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (ص ٣٨٩).