توراتهم ميراثهم بساعير وهي جبال الشراة ، وبنو لوط ميراثهم بموآب وعمان ، قبل أن يملك بنو إسرائيل ميراثهم بفلسطين والأردن بدهر طويل ، ثم لم يزالوا يتغلبون على بني إسرائيل أو يساوونهم طول دولة بني إسرائيل بإقرار كتبهم ، وما ملك بنو إسرائيل قط بني عيسو ، ولا بني لوط ، ولا بني إسرائيل بإقرارهم ، ولقد بقي بنو عيسو وبنو لوط بإقرار كتبهم في ميراثهم بساعير وموآب وعمان بعد هلاك دولة بني إسرائيل وأخرجهم عن ميراثهم ثم ملكهم بنو إسماعيل إلى اليوم ، فما نرى تلك البركة كانت إلّا معكوسة. ونعوذ بالله من الخذلان ، ولكن حق البركة المسروقة المأخوذة بالخبث في زعمهم أن تخرج معكوسة منكوسة.
فصل
ذكر خدمة يعقوب لخاله لابان
ثم ذكر أن يعقوب إذ مضى إلى خاله «لابان بن بثوال» خطب إليه ابنته «راحيل» وقال له : أخدمك سبع سنين في «راحيل» ابنتك الصغرى ، فقال له : «لابان» : «أن أعطيك إياها أحسن من أن أعطيها رجلا آخر. أقم عندي».
وخدم «يعقوب» في «راحيل» سبع سنين ، وصارت عنده أياما يسيرة في محبته لها ، وقال «يعقوب» «للابان» : أعطني زوجتي إذ قد كملت أيامي ، فأدخل بها ، وجمع «لابان» جميع أهل الموضع وصنع وليمة ، فلما كان بالعشي أخذ «ليئة» ابنته وزفها إليه ودخل بها ، فلما كان بالغد ورأى أنها «ليئة» قال «للابان» : ما ذا صنعت؟ أليس في «راحيل» خدمتك؟ فلم خدعتني؟ فقال «لابان» : لا نصنع هكذا في موضعنا : أن نزوج الصغرى قبل الكبرى ، أكمل أسبوع هذه ، وأعطيك أيضا هذه بخدمة تخدمها سبع سنين أخرى ، وصنع «يعقوب» كذلك ، وأكمل أسبوع «ليئة» وأعطى راحيل ابنته لتكون له زوجة.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : في هذا الفصل آبدة (١) الدهر : وهي إقرارهم أن «يعقوب» عليهالسلام تزوج «راحيل» ، فأدخلت عليه غيرها ، فحصلت «ليئة» إلى جنبه بلا نكاح ، وولد لها منه ستة ذكور وابنة ، وهذا هو الزنى بعينه ، أخذ امرأة لم يتزوجها بخديعة ، وقد أعاذ الله نبيه من هذه السوأة ، وأعاذ أنبياءه عليهمالسلام «موسى وهارون وداود وسليمان» من أن يكونوا من مثل هذه الولادة ، وهذا يشهد ضرورة أنها
__________________
(١) الآبدة : الأمر العجيب يستغرب له ، والداهية يبقى ذكرها أبدا (المعجم الوسيط : ص ٢).