من توليد زنديق متلاعب بالديانات.
فإن قالوا : لا بد أنه قد تزوجها إذ يعلم أنها ليست التي تزوج. قلنا : فعلى أن يسمح لكم بهذا فقد دخل بها بغير نكاح ، لأنه ذكر أنه لم يدر أنها «ليئة» إلا بالغداة ، وقد صرّح بالدخول بها ، إلا أن يقولوا : لم يدخل بها بل علم أنها ليست «راحيل» فإن قلتم هذا كذبتم النص في قوله «دخل بها فلما كان بالغداة» فليس لكم من الفضيحة بد ، وإن سكتّم عن هذا فالنسخ ثابت ولا بدّ ، لأن نكاح أختين معا حرام في توراتكم ، وقد قال لي بعضهم في هذا : لم تكن الشرائع نازلة من الله تعالى قبل موسى. فقلت : هذا كذب ، أليس في نص توراتكم : أن الله تعالى قال لنوح عليهالسلام : «كل دبيب حي يكون لكم أكله كخضراء العشب أعطيتكم ، لكن اللحم بدمه لا تأكلوه ، وأمّا دماؤكم في أنفسكم فسأطلبها».
فهذه شريعة إباحة وتحريم قبل موسى عليهالسلام.
فصل
عودة يعقوب من رحلته
وبعد ذلك ذكر أن «يعقوب» رجع من عند خاله «لابان» بنسائه وأولاده قال : ولما أصبح أجاز امرأتيه وجاريته وأحد عشر من ولده المخاضة (١) ، وبقي وحده ، وصارعه رجل إلى الصبح ، فلما عجز عنه ضرب حقّ فخذه فانخلع حقّ فخذ يعقوب في مصارعته معه ، وقال له خلّني لأنه قد طلع الفجر ، قال : لست أدعك حتى تبارك عليّ ، فقال له كيف اسمك؟ قال : «يعقوب». قال له : لست تدعى من اليوم «يعقوب» بل «إسرائيل» من أجل أنك كنت قويا على الله ، فكيف على الناس؟ فقال له «يعقوب» : عرفني باسمك. فقال له : لم تسألني عن اسمي؟ وبارك عليه في ذلك الموضع ، فسمّى يعقوب ذلك الموضع «فنيئيل» وقال : رأيت الله تعالى مواجهة وسلمت نفسي ، وبزغت له الشمس بعد أن جاوز «فنيئيل» وهو يعرج من رجله ولهذا لا يأكل بنو إسرائيل العقب الذي على حقّ الفخذ إلى اليوم ، لأنه ضرب حق فخذ يعقوب لمسّ الله وانقباضه.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : في هذا الفصل شنعة عفت على كل ما
__________________
(١) المخاضة والمخاض من النهر الكبير : الموضع القليل الماء الذي يعبر فيه الناس النهر مشاة وركبانا (المعجم الوسيط : ص ٢٦٢).