قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذا كذب ظاهر ، لأنه ذكر قبل : أنّ بنيامين لم يولد ليعقوب إلّا «بأقراشا» بقرب بيت لحم على أربعة أميال من بيت المقدس بعد رحيله من «فدان آرام» بدهر. والله تعالى لا يتعمد الكذب ولا ينسى هذا النسيان.
فصل
محبة يعقوب لابنه يوسف عليهالسلام
وبعد ذلك قال : «وكان إسرائيل يحب يوسف لأنه كان ولد له في شيخوخته».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذه العلة توجب محبة بنيامين لأنه ولد له بعد يوسف بأزيد من ست سنين بنص توراتهم. وتوجب مشاركة «يساكر» و «زبولون» في المحبة ليوسف لأنه ذكر قبل هذا أن يعقوب قال «للابان» خاله : «خدمتك عشرين سنة من ذلك أربع عشرة سنة لابنتيك وست سنين لأدواتك» وذكر أن بعد سنين أعطاه «ليئة» ، وبعد سبعة أيام أعطاه «راحيل» ، لم يكن بينهما إلا سبعة أيام وهو أسبوع «ليئة» فقط ، وأن «ليئة» ولدت له «رؤوبين» ثم «شمعون» ثم «لاي» ثم «يهوذا» ثم قعدت عن الولد. وأنّ «راحيل» أعطت بعد ذلك يعقوب أمتها «بلهة» فتزوجها فولدت له «دانا» ثم «نفثالي» ثم أعطت «ليئة» أمتها «زلفة» ليعقوب فتزوجها فولدت له «جادا» ثم «أشير» ثم أطلقت له «راحيل» مماسة «ليئة» في لفّاح أخذته منها فولدت له «راحيل» «يوسف» ثم بعد ولادة «يوسف» ابتدأ «يعقوب» بمعاملة خاله «لابان» على أجرة ذكرها لرعاية غنمه فرعاها له ست سنين ، هذا كله نص توراتهم ، فصح أنّ «يوسف» كان له عند تمام الست سنين ست سنين فقط بلا شك. وأن جميع أولاد يعقوب حاشا بنيامين فإنما ولدوا ولا بدّ في السبع سنين التي كانت قبل الست سنين المذكورة بلا شك. والأولاد سبعة ، ففي كل عشرة أشهر ولدت ولدا لا يمكن أقل من هذا فلا شك في أن «زبولون» لا يزيد على «يوسف» إلّا سنة واحدة فقط ، ولا يزيد عليه «يساكر» إلا سنتين فقط ، وأقل من هذا على أن تلغى المدة التي ذكرنا أن «ليئة» قعدت فيها عن الولد ، والمدة التي اعتزلها فيها «يعقوب» ولا بدّ أن لها مقدارا ما. فعلى هذا «فزبولون» و «يوسف» ولدا معا ، والمدة المذكورة تضيق عن هذه القسمة. ففي هذا الخبر كذب مقطوع به ضرورة ولا بدّ. ولا يجوز قليل الكذب ولا كثيره على الله تعالى ، ولا على الأنبياء. فصح أنها مفتعلة مبدلة ولو كان لهذا الخبر وجه وإن غمض ، ومخرج وإن بعد ، أو أمكنت فيه حيلة أو ساغ فيه تأويل ما ذكرناه. ونسأل الله تعالى العافية.