فصل
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وفي قصة قلب الماء دما فضيحة أخرى ظاهرة الكذب وهي : أن في نص الكلام الذي يزعمونه التوراة : «ثم قال السيد لموسى : قل لهارون مدّ يدك بالعصا على مياه مصر ، وأنهارها وأوديتها ، ومروجها ، وجناتها ، لتعود دما ، وتصير ماء في آنية التراب والخشب دما. ففعل موسى وهارون كل ما أمرهما به السيد» إلى قوله «وصار الماء في جميع أرض مصر دما. ففعل مثل ذلك سحرة مصر برقاهم ، واشتد قلب فرعون ، ولم يسمع لهما على حال ، ثم انصرف فرعون ودخل بيته ولم يوجه قلبه إلى هذا أيضا ، وحفر جميع المصريين حوالي النهر ليصيبوا الماء منها لأنهم لا يقدرون على شرب الماء من النهر».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذا نص كتابهم فأخبر أن كلّ ماء كان بمصر في أنهارها وأوديتها ، ومروجها وجناتها ، وأواني الخشب والتراب ، والماء كله في جميع أرض مصر صار دما. فأي ماء بقي حتى تقلبه السحرة دما ، كما فعل موسى وهارون؟ أبى الله إلا فضيحة الكذابين وخزيهم.
فإن قالوا : قلبوا ماء الآبار التي حفرها المصريون حول النهر. قلنا لهم : فكيف عاش الناس بلا ماء أصلا؟ أليست هذه فضائح مرددة؟ وهل يخفى أن هذا من توليد ضعيف العقل أو زنديق مستخف لا يبالي بما أتى به من الكذب؟ ونعوذ بالله من الضلال.
فصل
ذكر بعض المعجزات لموسى
وبعد ذلك ذكر أن الله تعالى أمر موسى أن يقول لفرعون : «ستكون يدي على مكسبك الذي لك في الفحوص (١) وخيلك وحميرك وجمالك وبقرك وأغنامك بوباء شديد ، ويظهر السيد أعجوبة فيما يملكه بنو إسرائيل ، ووقّت السيد لذلك وقتا ، وقال غدا يفعل السيد هذا في الأرض ، ففعل السيد ذلك في يوم آخر ، وماتت جميع دواب المصريين ، ولم يمت لبني إسرائيل دابة فاشتد قلب فرعون ولم يأذن لهم».
__________________
(١) يقال : فحص الأرض : حفرها (المعجم الوسيط : ص ٦٧٥) والفحوص : الحفر أو المخابئ ، ويريد : مخابئ الكنوز.