فليت شعري!! أي دابة بقيت لفرعون وأهل مصر ، وقد ذكر أن الوباء أهلك جميعها؟؟ وأين الإبل والحمير والخيل والغنم والبقر؟ أليس هذا عجبا!! وليس يمكن أن يقول : إنّ دواب بني إسرائيل هلكت آخرا إذ سلمت أولا ، لأنه قد بيّن أنه لم يقع من البرد شيء في أرض «قوص» حيث سكنى بني إسرائيل ، ولم يكن بين آية وآية بإقرارهم وقت يمكن فيه جلب أنعام إليهم من بلد آخر ، لأنه لم يكن بين الآية والآية إلّا يوم أو يومان أو قريب من ذلك ، ومصر واسعة الأعمال ، ولا تتصل بشيء من العمائر ، بل بين جميع انتهاء أقطارها من كل جهة وبين أقرب العمائر إليها مسيرة أيام كثيرة ، كالشام وبلاد الغرب ، وأرض النوبة والسودان ، وإفريقية ، فظهر كذب من عمل ذلك الكتاب المبدّل المحرّف المفترى الذي يزعمونه التوراة وحاش لله من ذلك ، والحمد لله على السلامة من مثل عملهم وضلالهم كثيرا.
فصل
اضطراب التوراة في ذكر مدة بقاء بني إسرائيل بمصر
وبعد ذلك قال : «وكان مسكن بني إسرائيل بمصر أربعمائة وثلاثين سنة ، فلما انقضت هذه السنون خرج ذلك اليوم معكسر السيد من أرض مصر».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذه فضيحة الدهر ، وشهرة الأبد ، وقاصمة الظهر ، يقول هاهنا : إنّ مسكن بني إسرائيل بمصر أربعمائة سنة وثلاثون سنة ، وقد ذكر قبل : أن «فاهاث» بن «لاوي» دخل مصر مع جده «يعقوب» ومع أبيه «لاوي» ومع سائر أعمامه وبني أعمامه ، وأن عمر «فاهاث» بن «لاوي» المذكور كان مائة سنة وثلاثة وثلاثين سنة. وأن «عمران بن فاهاث بن لاوي» المذكور كان عمره مائة سنة وسبعا وثلاثين سنة. وأن «موسى بن عمران بن فاهاث بن لاوي» المذكور كان إذ خرج ببني إسرائيل من مصر مع نفسه ابن ثمانين سنة.
هذا كله منصوص كما نذكره في الكتاب الذي يزعمون أنه التوراة ، فهبك أن «فاهاث» دخل مصر ابن شهر أو أقل ، وأن «عمران» ابنه ولد بعد موته ، وأن «موسى بن عمران» ولد بعد موت أبيه ليس يجتمع من كل ذلك إلا ثلاثمائة عام وخمسون عاما فقط. فأين الثمانون عاما الباقية من جملة أربعمائة سنة وثلاثين سنة؟
فإن قالوا : نضيف إلى ذلك مدة بقاء يوسف بمصر قبل دخول أبيه وإخوته ، قلنا : قد بيّن في التوراة أنه كان إذ دخلها ابن سبع عشرة سنة ، وأنه كان إذ دخلها أبوه